عندما تغيب الشمس تظهر خفافيش الليل
الامم تنجب قادة عظام لاتنصفهم اللحظة الراهنة بل ينصفهم التاريخ ولو بعد حبن .
على مدى الايام والاسابيع الماضية ، ارادة البعض ان يدلوا بدولهم للنيل من رمز من رموز العمل الوطني دفع حياته ثمنا لمواقفه الوطنية والقومية الجرئية ، في زمن استحال على هؤلاء ، تحمل قسوة الظروف وقلة الموارد بعد ان نضبت ، فاختاروا اهون الحلول بالرحيل عن شعبهم في مخيمات اللجوء تاركين قضيتهم الوطنية خلف ظهورهم بحثا عن جواز سفر وعن لجوء له اثمان ابسط ما يقال عنه ، اعلان للبراءة من الوطنية الفلسطينية على اعتبار ان اللاجئ يتعرض للملاحقة والاضطهاد من قبل الجهة او الجهات التي ينتمي اليها .
ولاشك ان هناك فئة ضاقت بها الامور ولم يكن بيدها حيلة لمواصلة العيش الكريم اضطرت مكرهه البحث عن مكان يؤمن لها الحياة الامثل ، لكنها ظلت وفية لتجربتها ولشعبها وقضيته العادلة وهؤلاء هم اللذين يعملون بلا كلل لاظهار معاناة شعبهم وفضح السياسات العدوانية والعنصرية التي تنتهجها الحكومات الاحتلالية المتعلقبة وهم بذلك يؤدون واجباتهم على اكمل وجه اما الفئة الاخرى التي كانت مستفيدة من اوقات البحبوحه والرخاء وغادرت مواقعها نتيجة توقف هذه الامتيازات فلم تجد بدّ سوى تنفيس احقادها وسمومها عبر وسائل الاعلام ومواقع شبكة الانترنت بأسماء وهمية لكنها معلومة المصدر واللون لتصب الزيت على نار الواقع المأزوم للساحة الوطنية خدمة لغايات واجندات همها الوحيد تدمير المشروع الوطني وتشويه التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني ومسيرته الكفاحية من حيث يعلمون او لا يعلمون ، بعد ان صمتوا دهرا ونطقوا كفرا ...
كان ينبغي عدم الاكتراث لهذه الاصوات التي لاتزيد عن عدد ضئيل من الاشخاص ، اوصلت بهم الامور الى الخواء الفكري والعملي واعتقد بعضهم ان المساس برموز الحركة الوطنية الفلسطينية يمكن ان يعيد اليهم التوازن النفسي والشفاء من حالة الشيزوفرينيا التي اعتداوا ممارستها على حبال السيرك السياسي المتعدد الاطراف والانتماء .
لقد شكلت انتفاضة قواعد جبهة التحرير الفلسطينية ساحة استقطاب لكل الوطنيين والديمقراطيين والثوريين من ابناء كادحي شعبنا ومخيماته ومثقفيه وهي سابقة نوعية وتميزت بمواقفها السياسية والوطنية دون توجيه من احد ، لم تكن تملك المال او الامتيازات ويدركون هؤلاء هذه الحقائق كم ضحت الجبهة بخيرة قادتها وكادرها ومناضليها دفاعا عن شعبها وثورتها وصيانة استقلال قرارها الوطني وتجربتها الرائدة في مجال الصراع مع الاحتلال واختراق نظرية الامن لديه من خلال خلق الابداع وتجاوز المستحيلات للوصول الى ارض فلسطين ، ويعلم الجميع ان القائد الشهيد ابو العباس وقيادته العسكرية هو الذي واصل الليل بالنهار دون مبالغة من اجل انجاح العمليات النخبوية ضد الاحتلال ، وعندما خرجت قوات الثورة الفلسطينية من لبنان ظل هاجسه الوحيد الوصول الى ارض الوطن واستطاع تحقيق ذلك في العديد من المرات .
ان انحياز الجبهة الى الوطنية الفلسطينية موقف اصيل للحفاظ على انجازات الشعب الفلسطيني وفي المقدمة منها منظمة التحرير الفلسطينية الهوية والكينونه للشعب الفلسطيني ، ولم تتباكى على خسارة موطئ قدم او حجز ركن على رصيف العواصم ، ولهذا يسجل لها دقة تقدير الموقف في المكان والزمان المناسبين اذ لا يمكن ان تكون الجبهة اسيرة مواقف محنطة كما اراد لها البعض بحجة الحفاظ على المبادئ وغيرها من الشعارات التي لا طائل منها ، بالرغم من كل ذلك سعت الجبهة الى تعزيز وحدتها الداخلية وابقت الباب مفتوحا على مصراعيه بعد استشهاد الامين العام طلعت يعقوب الذي اعلن وحدة الجبهة في دورة المجلس الوطني الثامن عشر في الجزائر العاصمة ولكن القدر لم يمهله ، ولا داعي بأن نذكر اللذين تناسوا تلك اللحظة التاريخية الهامة لذلك الانجاز العظيم ومن انقلب على الاتفاق وكأنه لم يكن وكذلك اجهاض كل الجهود التي جرت في طرابلس العاصمة الليبية وفي مدينة عدن ، وبغداد وغيرها من المدن الاخرى ...
استمدت الجبهة موقفها السياسي تجاه اتفاق اوسلو بما ينسجم مع تاريخها النضالي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة غير القابلة للتصرف ، واعلنت عن رفضها هذا الاتفاق جملة وتفصيلا وطالبت ممثلها باللجنة التنفيذية آنذاك رفض الاتفاق احتراما لارواح الشهداء وتضحيات شعبنا " حيث كان له رأيا اخر " ولكن اصرار القائد الشهيد ابو العباس تم اتخاذ الموقف الصحيح دون الانسحاب من اللجنة التنفيذية ، ووقفت الجبهة امام المستجدات السياسية واتخذت قرارا بضرورة دخول قادة وكوادر ومناضلي الجبهة الى الاراضي الفلسطينية دون تردد باعتبار ذلك لا يمس جوهر موقفها من الاتفاق وفي كل الاحوال لم يكن مطلوبا من الجبهة تقديم اي شيء مقابل ذلك ، ثم لبت دعوة دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في قطاع غزة ، لعلمها ان عدم حضورها كان سيؤدي الى خلق بؤر بديلة تدعي تمثيلها للجبهة وبالتالي اتخذ القرار لحضور المجلس الوطني بوفد يرأسه الامين العام للجبهة مع الحفاظ على موقف الجبهة من الاتفاق ، وان المرحلة التي سادت في حينه تتطلب اتخاذ القرارات الصعبة اذ لا تملك الجبهة ترف الخيارات من اجل تسجيل مواقف تطهرية وغير عاقلة تؤدي الى الانغلاق خلف الجدران في العواصم البعيدة عن ارض الوطن هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى رأت الجبهة ان مركزية القرار الفلسطيني قد انتقل من الخارج الى الداخل ، الامر الذي سيزيد من صعوبة التواصل مع جماهير شعبنا الفلسطيني في حال بقائها بعيدا عن دائرة الفعل المؤثر .
في الوقت الذي تم فيه اعادة ترتيب الاوضاع الجبهوية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة استمرت الجبهة ببناء قدراتها على المستوى السياسي والتنظيمي واستطاعت ان توازن بين مهامها الكفاحية التحررية واستيعاب المهمات الديمقراطية لبناء المجتمع الفلسطيني بما يتلائم مع الظروف المستجدة .
لاضير بشيء ان كان قادة اليوم مناضلين او مقاتلين او طلاب بالامس ، تلك هي طبيعة الاشياء ، الطالب يصبح معلما والمقاتل يترقى الى جنرال والمناضل قائدا هذه دورة الحياة التي لاتتوقف عند حدود ان ذلك يشكل قمة الصواب لتواصل الاجيال وحمل الامانة من جيل الى جيل ، للافراد دور هام في التاريخ ، كان الحزب البلشفي بزعامة لينين الشخصية العظيمة وله الدور الحاسم في مجال تنامي الثورة الديمقراطية الى اشتراكية وفي مجال الحرب والسلم ، وكذلك في تجربة مصر عبد الناصر ، والجنرال جياب في فيتنام ، وفتوحات صلاح الدين الايوبي في حملته ضد الصليبيين وفيدل كاسترو ، وماوتسي تونغ الصين ، وياسر عرفات رمز فلسطين ومفجر ثورتها المعاصرة وجورج حبش الجبهة الشعبية وابو العباس جبهة التحرير الفلسطينية الذي اضاف اساليب نوعية في عملية الصراع مع العدو المحتل ، وغيرهم الكثيرون ، فهل كان ذلك يعيب شعوبهم ام انها مفخرة لهذه الشعوب التي انجبت قادة استثنائيون ؟
ان الانحدار الى مستوى اتهام قادة ورموز وطنية بعد استشهادهم بالعمالة والخيانة والارتباط باجهزة الامن المختلفة ما هو الا تعبير صارخ عن مدى السقوط الاخلاقي لهؤلاء اللذين يستهويهم سلوك الوطاويط في عتمة الليل الحالك ، ولا نعلم مع من ينبغي لحركات التحرر الوطنية نسج علاقاتها العامة مع الدول التي تستضيف هذه الحركات كما جرت العادة حتى يومنا هذا ؟ اليست هذه الدول هي التي تحدد علاقاتها ومرجعياتها وفقا لقرارتها السيادية ، واذا كانت هذه العلاقات تخدم مصالح الطرفين فمن الطبيعي ان تكون على احسن حال ، وفي كل الظروف تتبدل المصالح والغايات والاهداف ، وهذا لايعني بأي شكل من الاشكال اتهام بالعمالة او الخيانه لهذا الفصيل او ذاك ، هنالك دول لم تتحمل وجود الجبهة على اراضيها بسبب ضغوطات دولية جراء قيامها بعمليات استثنائية هدفها الوحيد ادامة الصراع مع الاحتلال ، وقد نجحت في كثير من المرات وحوصرت من قبل الادارة الامريكية ومن لف لفها منذ عام 1986 ولعل ذلك الحقد الصهويني الدفين وجد ضالته باغتيال قائدها الوطني والقومي في سجون الاحتلال الامريكي للعراق ، فهل كان كل ذلك استعراض وهل كان حصار ياسر عرفات واغتياله ايضا كذلك ؟
الإثنين نوفمبر 08, 2010 11:57 am