بشير الغزاوي عضو حزب البعث العربي الاشتراكي
عدد المساهمات : 969 تاريخ التسجيل : 01/11/2010
| موضوع: محاولة لفك شفرات اللغز المروع: مَن اعتدى على كنيسة الإسكندرية؟ الأحد يناير 09, 2011 7:19 pm | |
| محاولة لفك شفرات اللغز المروع: مَن اعتدى على كنيسة الإسكندرية؟ 2011-01-09 محاولة لفك شفرات اللغز المروع: مَن اعتدى على كنيسة الإسكندرية؟ موقع"جبهةالتحريرالعربية من رأى ليس كمن سمع. حلت هذه الحكمة السابغة في خاطري بينما عيناي تطالعان واجهة كنيسة القديسين وباحتها وواجهة المسجد الذي يقابلها فتصطدم بآثار دم وبقايا أشلاء وزجاج محطم ووجوه يعلوها الأسى. وفي المسافة الواقعة بين المسجد والكنيسة المكلومة راح ذهني يستعيد الكثير من حوادث العنف التي تمت على خلفيات دينية ويمعن في أنماطها وتفاصيل آثارها والأفكار التي تقف خلفها في محاولة جادة لتبديد الحيرة والإجابة عن السؤال العريض الذي يشغلنا جميعاً وهو: من ارتكب حادث الإسكندرية الإرهابي؟ وهي محاولة صعبة في بلد يفتقد إلى الشفافية، ويعاني الباحثون والخبراء والمتابعون فيه من نقص مزمن في المعلومات. عدت من الإسكندرية منتصف ليل الثلثاء ورأسي موزع على جهات واحتمالات ومسارات عدة، لا أقطع بأحدها ولا أرجح بينها، فهذه مسألة لا تتم إلا بإتمام معرفة التفاصيل أو أغلبها. وهممت لأفتح الإنترنت لأجمع ما تناثر من أخبار بثتها مختلف المواقع أثناء رحلتي فوجدت مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال» للكاتب بريت ستيفنس تحت عنوان «Egypt’s Prison of Hate» يقدح صاحبه في التصريح الذي نقلته عني صحيفة «المصري اليوم» فور وقوع الحادث والذي وسعت فيه الاحتمالات لتشمل أيضاً جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، وحاول هو تبرئة الموساد، ووصف كل من فكر في توجيه أصابع الاتهام إلى الصهاينة بأنه جعل مصر «أمة من الأغبياء سياسياً». وابتسمت وقلت في نفسي: «الغبي هو من لا يفكر في كل الاتجاهات والاحتمالات يا سيد ستيفنس مهما خفت أوزانها». وجلست ممعناً في ما رأيت وما سمعت وما اجتمع لدي من معلومات قليلة ووضعته على ما تراكم في رأسي عبر السنين عن مختلف الحركات السياسية ذات الإسناد الإسلامي لأجد نفسي في هذه اللحظة أذهب موقتاً إلى أن حادث الإسكندرية الإرهابي لا يخرج عن ثلاثة مسارات أساسية يمكن ذكرها على النحو الآتي: المسار الأول الجماعات المتطرفة الهامشية: ربما لم تعرف حركات احتجاج سياسي - اجتماعي أشكالاً من التوالد والانشطار مثلما عرفت «الإسلامية» منها، ليس في العصر الحديث فحسب، بل طيلة التاريخ الإسلامي تقريباً. فالاختلاف حول تأويل النص القرآني من جهة، وتفاوت المصالح من جهة ثانية، قادا إلى انبعاث موجات متلاحقة من فرق الرفض والخروج على السلطة، وأحياناً الغبن من المجتمع. وكان لهذه الحركات قدرة على التشرنق ومغالبة ظروف قاهرة فرضتها سلطة ذات يد أمنية باطشة من طريق التحايل أو «التقية» تارة، والصبر الطويل تارة ثانية. وبعض هذه الجماعات يمتلك قدرة تنظيمية عالية ويضم تحت لوائه عشرات الآلاف من الأشخاص الذين ينتمون إلى مختلف الشرائح الطبقية والمهنية والمستويات التعليمية، وينتشرون على رقعة جغرافية واسعة، مثلما كان الحال مع تنظيم «الجماعة الإسلامية». والبعض الآخر منها لا يعدو كونه جماعات صغيرة هامشية، تظهر بفعل الانشقاقات، أو عقب «هزيمة» الجماعات الكبرى نسبياً في المواجهة مع السلطة أو فشلها في تحقيق أهدافها. وطالما أنتجت الحركة الإسلامية الراديكالية على مدار العقود الأربعة الماضية تنظيمات صغيرة، محدودة الانتشار الجغرافي ضعيفة الإمكانات حديثة النشأة لا تملك رصيداً كبيراً من الإطار الفقهي النظري الذي يبرر وجودها ويحدد علاقاتها بالمجتمع والدولة والجماعات الإسلامية الأخرى. ومن ثم اختفى أغلب هذه التنظيمات بعد مواجهة أمنية حاسمة أو القبض على قادتها. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر هنا من هذه الجماعات الهامشية التي ظهرت في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم تنظيم «السمني» و «الأهرام» و «جهاد الساحل» و «الواثقون من النصر» و «الغرباء» و «تنظيم أحمد يوسف» و «الفرماويون» و «الناجون من النار» و «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و «التكفير الجديد» و «أبناء الصعيد» و «النذير» و «التوحيد»، و «الشوقيون»، و «جماعة الفتح» و «الخلافة» و «جنود الرحمن» و «العصبة الهاشمية» و «مجموعة التسعين»، و «القصاص العادل»، و «القرآنيون» و «الجهاد الصحيح»، و «السماويون»، و «القطبيون». ومنها ما ظهر مع مطلع الألفية الثالثة مثل «تنظيم الوعد» وتنظيم «التوحيد والجهاد» الذي نسب إليه ارتكاب تفجيرات سيناء الثلاثة في طابا وشرم الشيخ ودهب. ويمهد الوضع الذي آلت إليه الحركة الإسلامية الراديكالية في مصر حالياً لظهور مثل هذه التنظيمات الصغيرة، التي لا يروق لها ما أقدمت عليه «الجماعة الإسلامية» من مراجعات، وما انتهى إليه تنظيم الجهاد المصري من تشتت بعد تحالفه مع أسامة بن لادن تحت راية ما يسمى «تنظيم القاعدة». وإذا كانت التنظيمات والجماعات الرئيسية يسهل تعقبها، بخاصة إذا لم تأخذ الشكل «العنقودي» على غرار تنظيم «الجهاد»، أو آثرت أن يظل جزءاً من نشاطها طافياً فوق السطح أو علنياً، كما كانت تفعل الجماعة الإسلامية، فإن التنظيمات الهامشية، التي تتكون حول قيادة صغيرة في منطقة محدودة وترسم أهدافاً بسيطة لوجودها، يصعب نسبياً على رجال الأمن اكتشافها، بخاصة إذا برعت هذه التنظيمات في أدائها السري وامتلكت قدرة على المراوغة والتضليل وبناء حالة من التوافق الظاهري مع المحيط الاجتماعي الضيق، لا يؤدي إلى استعداء الناس. والهزة الكبيرة التي أحدثها تراجع «الجماعة الإسلامية» عن أفكارها، وهو ما عبرت عنه الكتيبات التي أصدرها القادة التاريخيون للجماعة تحت مسمى «سلسلة تصحيح المفاهيم»، أوجدت حالة من السيولة في صفوف الشباب النازعين إلى العنف، والذين كان بوسعهم في الماضي أن ينخرطوا في صفوف الجماعة الإسلامية أو «الجهاد» من دون مواربة مستندين إلى ما حققته الجماعتان من وجود اجتماعي وما يحكم نشاطهما من إطار فكري أو فقهي وما لهما من أهداف شاملة ومقاصد بعيدة المدى وما لديهما من قدرة على تجنيد الأتباع. أما في هذه الآونة فإن هاتين الجماعتين لم تعودا تمثلان مركزي استقطاب قويين لهؤلاء الشباب، ومن ثم فإنهم سيبحثون عن تنظيمات صغيرة، تستوعب طاقتهم «الغضبية». ويبرز عامل آخر قد يرشح تنامي ظاهرة التنظيمات الإسلامية الراديكالية الهامشية يرتبط بمسألة التمويل. ففي ما سبق كان يمكن لـ «الجماعة الإسلامية» و «الجهاد» أن يتلقيا دعماً مالياً ملموساً من الخارج، سواء من قبل أفراد تابعين لهما أو متعاطفين معهما أو جماعات نظيرة أو مؤسسات تمارس نشاطها تحت مسمى أعمال خيرية أو سلوك ذي طابع تراحمي أو حتى دول كانت تريد النيل من النظام المصري أو تمهيد الأرض المصرية لأممية إسلامية. أما في الوقت الراهن، ومع الجهد المحموم الذي تقوم به الولايات المتحدة في تضييق الخناق على روافد تمويل «الإرهاب» فمن الصعب على أي جماعة أن تتلقى دعماً خارجياً، يساعدها على تحقيق أهدافها. ونتائج التحقيقات التي جرت حول حوادث سابقة تشير إلى أن الجماعات المتطرفة الهامشية، تأخذ طريقين: الأول هو تكوين جماعات تشكل أجزاء من تنظيم، لا تزيد عن بضعة أفراد، يقودهم شخص من بينهم، يمثل همزة الوصل مع قائد التنظيم، أو «أميره». أما الطريق الثاني فهو أن هذه الهوامش تمثل محيطاً لتنظيم إسلامي راديكالي أممي مركزه خارج مصر. فقضية خلية «حزب التحرير» التي تم اكتشافها في أواخر عام 2002، أظهرت أنه قد تم تجنيد مصريين في ألمانيا ولبنان. ويمكن لهذه التنظيمات أن تتشكل وفق تحريض من «القاعدة» أو امتثالاً لأفكارها، وليس بالضرورة امتداداً جغرافياً لها يتلقى الأوامر والتكليفات والتمويل من «التنظيم الأم». المسار الثاني - تغير طارئ داخل السلفية الدعوية: فهذه السلفية تحالفت مع نظام الرئيس مبارك طيلة العقود الماضية، إما استجابة لما يقتنع به أتباعها من فقه تم إنتاجه أيام الفتن والتظالم يكرس «طاعة ولي الأمر» أو في ظل الارتباط التاريخي والتلازم المستمر في كافة التجارب الإنسانية بين «التدين المحافظ» و «الاستبداد السياسي» أو لعجز القوى السياسية المعارضة عن اختراق التيار السلفي ولو جزئياً وجذبه بعيداً من السلطة. وتوزاي تحالف السلفيين الإسلاميين مع النظام مع تحالف الكنيسة الأرثوذكسية معه، والتي كانت تقدم «الصوت المسيحي» قرباناً للسلطة على عتبات كل انتخابات تشريعية أو تمجد الحاكم وتبارك اختياراته ومن بينها تأييد «التوريث». وقد استخدم أهل الحكم السلفيين والأرثوذكسيين في تطويق وحصار المشروع السياسي لـ «الإخوان المسلمين» وضرب «التيارين الليبرالي واليساري» وإنهاكه، في الوقت نفسه، بما قاد إلى احتكار السلطة. وفي الوقت الذي بدأ يتنامى شعور بأن الكنيسة تتدلل على النظام الذي تقدم له خدمات مستمرة، بدأ «السلفيون» يضيقون بهذا التدلل، وبلغ ضيقهم مداه في تظاهرات متتابعة خرجت من بعض مساجد الإسكندرية والقاهرة تطالب الكنيسة بالإفراج عن السيدات اللائي يقال إنهن قد أسلمن واحتجزتهن الكنيسة في أحد الأديرة. وربما سعى بعض هؤلاء إلى نقل الغضب من حيز القول إلى الفعل، فحرض أو جند أو قاد إلى تنفيذ حادث ضرب كنيسة القديسين، وربما اندس متطرفون في صفوف السلفيين وغذوا هذا الاتجاه أو اتخذوا التيار السلفي ستاراً لارتكاب هذه الجريمة، لا سيما أن هذا التيار ينعم برضا السلطة وحمايتها الأمر الذي يوفر لمن يندس في صفوفه وضعاً أمنياً مريحاً إلى حد كبير. وقد استغل هؤلاء المتطرفون واقع أن التيار السلفي مفتوح أمام الجميع، بلا قيود ولا سدود، على العكس من التنظيمات الإسلامية المسيسة التي تدقق في خلفية من يريد الالتحاق بها حتى تضمن ألا يزرع الأمن عيوناً له عليها أو ينخرط فيها من لا يؤمن بأفكارها وتوجهاتها بغية تدميرها من الداخل. المسار الثالث - طرف خارجي يسعى لضرب أمن بلادنا: فالشق الأكبر من الأمن القومي المصري يقوم على ركيزتين هما: ضمان تدفق مياه النيل، واستمرار الوحدة الوطنية. والأولى تتزعزع حالياً بفعل سعي دول حوض النيل إلى إعادة النظر في الاتفاقية التي تحدد توزيع حصص المياه. أما الثانية فقد أصابها مرض في السنوات الأخيرة بفعل عوامل عدة أنتجت حالة احتقان بين المسلمين والمسيحيين، وباتت مغرية لأي طرف خارجي كي يستغلها في الضغط الشديد على أعصاب الأمن القومي المصري. وإذا كان مدير «الموساد» اعترف بأن جهازه مارس دوراً محورياً لتأليب دول حوض النيل ضدنا، وكذلك إثارة الفتنة الطائفية، فلن نكون قد تجنينا على إسرائيل - وفق توهم بريت ستيفنس - إن وضعناها في دائرة الاشتباه بارتكاب جريمة الإسكندرية، لا سيما أن الموساد ينشط بقوة حالياً في العراق، وليس هناك ما يمنع أن يكون هو وراء التهديدات التي نسبت إلى «القاعدة» قبل شهرين بالاعتداء على الكنائس. فالـ «قاعدة» كتنظيم متماسك تهبط الأوامر فيه من أعلاه إلى أدناه لم يعد موجوداً، إنما بات أفكاراً سائلة وشماعة لأجهزة استخبارات عدة في العالم تفعل ما تريد ثم تعلق أفعالها على تلك الشماعة. وفي حوادث إرهابية كثيرة أتى التمهيد للفعل ثم تنفيذه وبعدها تبني «القاعدة» له، في ظل شكوك تساور الخبراء بأن «القاعدة» هي التي تقف حقاً وراء تلك الحوادث.
| |
|