ملاك القدسي عضو جبهة التحرير العربية
عدد المساهمات : 299 تاريخ التسجيل : 05/11/2010
| موضوع: خربشات على جدار زمن القيامة العربي الانتفاضات الوطنية العربية خطوة نحو مشروع نهضوي طال انتظاره أنا ضد التدخل الأجنبي في ليبيا ولست مع مصطفى عبد الجليل "المالكي"... الأحد مارس 27, 2011 2:39 am | |
| بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ خربشات على جدار زمن القيامة العربي الانتفاضات الوطنية العربية خطوة نحو مشروع نهضوي طال انتظاره أنا ضد التدخل الأجنبي في ليبيا ولست مع مصطفى عبد الجليل "المالكي"... موقع"جبهةالتحريرالعربية أحمد علوش - لبنان تتزاحم الأفكار، الواحدة تطرد الأخرى وأحياناً تناقضها، وثالثة تعيد الحوار مع النفس إلى بدايته وربما تضيف بعداً جديداً. كما تكثر التساؤلات بعضها بأجوبة والبعض الآخر بدونها في زمن القيامة العربي، أي، منذ أن بدأ الحراك الجماهيري العربي يشهد تحولاً نوعياً فيما اتفق على تسميته عصر الانتفاضات الوطنية العربية، بعد عقود طويلة من الجمود والسبات العميق، بحيث أجمع كثيرون على أن الجماهير العربية أدمنت حكامها وتعايشت مع الفقر والتخلف والبطالة، ولم تعد تهتم للخيانات الوطنية والقومية، ففقدت القدرة على الاعتراض، وبالتالي على التحرك، واستسهلت سياسة الخنوع أو اللامبالاة. في تلك الأجواء التي سادت إلى شهور خلت طفت على السطح كل الأمراض، فالتقوقع القطري بدأ يميل إلى تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وجمهوريات الاسم تخصصت في فن التوريث من الآباء إلى الأبناء فالأحفاد، نمت الشعوبية وتعافت الطائفية وأصبح للمذهبية جيوشها وأحزابها التي تمسك بزمام القرار وتحدد مصير الأوطان. كل ذلك برعاية أميركية مدروسة وفتاوى قوى سلفية "وتيارات دينية" لا هم لها إلا الإساءة للامة وتشويه أهدافها بعد النجاح في سرقة شعاراتها وتزييف أهدافها ومصادرة قضاياها. الحراك الجماهيري العربي الذي شكل تحولاً نوعياً في مسار حركة الجماهير العربية إن كان بأسلوب نضالها أو بأدائها الذي تجاوز إلى حد كبير الأحزاب والقوى المنظمة إلى الشباب اجتهد كثيرون في الحديث عن أسبابه وكذلك عن القوى المحركة أو الكامنة خلف هذه الحركة للشباب الذين هم في سوادهم الأعظم من العاطلين عن العمل خاصة خريجي الجامعات، فكل جهة أو طرف حاول أن يجلب الحصاد إلى بيدره عبر محاولة تكييف الوقائع بما يخدم وجهة نظره، واعتبر البعض أن "الفايسبوك" أقوى من كل أشكال الفعل والتنظيم إذ استطاع أن يحرك الملايين حيث فشلت حركات ذات باع طويل في النضال، وقدمت عبر عقود من النضال المرير آلاف الشهداء، دون أن يجري بحث حقيقي عن الأسباب التي تراكمت منذ عدة سنوات ان كان على المستوى السياسي أم على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، بل على العكس من ذلك فقد ركز كثيرون على الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسعي إلى الحرية، وهذا يبقى ناقصاً إذا تم عزله بشكل مفتعل عن الجانب السياسي، ونعني به هنا ليس العلاقة فقط بين الجماهير وهذا النظام أو ذاك في الأقطار العربية أو شكل نظام الحكم، وإنما تعاطي هذه الأنظمة مع القضايا القومية الكبرى. في عجالة نستطيع أن نجمل أهم الأسباب التي حركت الشارع العربي في كل الأقطار التي شهدت هذه الانتفاضات الوطنية، وهي نفسها الأسباب التي ستحرك لاحقاً انتفاضات مماثلة في أقطار لم يصلها طوفان الجماهير بعد، وهي: - قضية فلسطين: تظل قضية فلسطين طليعة القضايا التي تحرك الشارع العربي والمؤشر على موقف الجماهير من هذا النظام أو ذاك، وقد ثبت بعد حوالي أربعة عقود من مسيرة التسوية عقم الرهان على هذا المسار، وقد عاد على القضية الفلسطينية بأفدح الأضرار في معادلة تقوم على تصلب صهيوني متزايد وتنازلات عربية لا تتوقف. - احتلال العراق: شكلت الحرب على العراق واحتلاله القشة التي قسمت ظهر بعير النظام العربي وعرته من كل أوراق التوت إذ كشفت تآمره وخنوعه للإرادة الأميركية الصهيونية، ومشاركته في العدوان على العراق واحتلاله في خطوة تركت من التداعيات أكثر بكثير مما خلفته النكبة الفلسطينية. وإذا كانت الأنظمة العربية قد صمتت أمام ذل النكبة الفلسطينية عام 1948 والهزيمة عام 67، فإنها تتباهى بأنها كانت شريكاً أساسياً في استباحة دم أطفال العراق وفي احتلال أرضه. - الصمت العربي المريب أمام مؤامرة تقسيم السودان، وعدم القيام بأي خطوة جدية أو شكلية للتصدي لهذه المؤامرة ومباركة انفصال الجنوب كمقدمة لانفصالات أخرى في دارفور وغيرها، وذروة المأساة تتمثل في أن يرقص البشير للتقسيم مقابل الاحتفاظ بالكرسي ووقف الملاحقة الجنائية الدولية بحقه، فأصبح النظام هو الوطن ثم النظام أهم من الوطن. - ارتفاع نسبة البطالة: تبلغ نسبة البطالة أكثر من 35 بالمئة في صفوف الشباب في الوطن العربي وتقول إحصائيات اقتصادية أن الأقطار العربية مطالبة بتأمين 18 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر القادمة لمنع هذه النسبة من الارتفاع. غالبية هؤلاء العاطلين هم من حملة الشهادات الجامعية الذين يبحثون عن الهجرة بطريقة شرعية أو غير ذلك في حين تنتشر الوساطة والمحسوبية والفساد في الحصول على العمل. يضاف إلى هذه المسألة ارتفاع معدلات الفقر في الوطن العربي بينما تنحصر الثروة بأيدي نخبة من أقارب الحاكم وحاشيته ومؤيديه. - غياب الديمقراطية وما بذلته الأنظمة من إمكانات وثروات لتطوير أجهزة القمع ومصادرة الرأي وتغييب كل أشكال المشاركة والتعددية، إلا كرتوش تستلزمه سياسة القهر والتسلط التي وصلت حد كم الأفواه بحيث أصبح هؤلاء الحكام يتصرفون وكأن السلطة حق إلهي بما يشبه الحالة الأوروبية في القرون الوسطى وبعبارة أبسط مثل نموذج "المرشد" و"الفقيه" في الإقليم القريب. - الإثراء غير المشروع الذي فاق كل تصور ويكفي أن نستعرض ما كشفت عنه الأحداث أخيراً عن ثروات بن علي ومبارك والقذافي لنحصل على أرقام مرعبة. - جمهوريات ملكية: كان من نتائج النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948 سقوط أنظمة وصعود أخرى وصولاً إلى الحالة الراهنة، وأول خطوات هذه الأنظمة كانت إلغاء الملكيات لصالح قيام نظم جمهورية سرعان ما تحولت إلى ملكيات أقسى وأصعب من سابقاتها، فهي نجحت في سرقة شعارات الجماهير وطورت أجهزة القمع واخترعت ثقافة التوريث، ولم تتوقف نعم السلطة عند حدود الأولاد بل شملت الأقارب والعشيرة والقبيلة والحاشية الأوسع، وكل من حظي برضى السلاطين الجدد. هذه هي أبرز الأسباب والدوافع التي حركت الشباب لإعلان انتفاضتهم في أكثر من قطر عربي بدءاً من ثورة البوعزيزي في تونس إلى ليبيا واليمن مروراً بمصر والبحرين والعراق وعمان والأردن إلخ... فيما يمكن تسميته غضب الشعب العربي الذي تحول في لحظة تاريخية إلى فعل تغييري إيجابي بهدف الانتقال من الحالة المأساوية الراهنة إلى وضع أكثر تقدماً على طريق ما نفترض ان تفضي إليه هذه الانتفاضات كخطوة أولى ستقود بالتأكيد لاحقاً إلى تحقيق المشروع النهضوي العربي الذي طال انتظاره والذي لم تستطع أجيال عصر النهضة إلى الآن من تحقيقه ولكنه آتٍ لا محال. بهمة هؤلاء الشباب، دون أن يعني أننا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذلك، إما أننا على مسافة قريبة، ولكننا نجزم أن أول الخطوات بالاتجاه الصحيح قد بدأت لأننا لسنا مع أصحاب وجهات النظر الذين يبحثون في كثير من الأحيان بسوء نية عن التمايز بين هذه الانتفاضات وأن الواحدة تختلف عن الأخرى، وصولاً إلى ادعاء تناقض مفتعل في حين أن هذه الانتفاضات تكمل الواحدة الأخرى، والتمايز هو في بعض الخصوصيات الوطنية التي هي إغناء للتجربة القومية الأشمل وليس على حسابها. قراءة في الانتفاضات على ضوء ما تقدم فإن الإيجابي لا يمكن أن يدفعنا إلى الحذر من السلبي، وبالتالي فإن هذه الانتفاضات بما تبشر به من تفاؤل إيجابي لزمن عربي جديد قد يكون لها بعض التداعيات التي يجب الانتباه لها من أجل أن لا نقع في المحذور ويتحقق ما يروج له أنصار اليأس الذين يحبطونها بالشكوك والمخاوف ويزرعون في طريقها الأفخاخ والألغام. فالبعض يريد أن يصرف الانتباه عن الإيجابي للبحث دون جدوى عن المحرك الخفي لهذه الانتفاضات ملقياً ظلالاً من الشك حول إمكانات الشباب وقدراتهم على التواصل وبالتالي فإن سيطرة منطق المؤامرة على البعض بحيث لا يعزل أي عمل أو إنجاز عن هذه النظرية ويحكم بالتالي على هذه الانتفاضات ونتائجها. أما في الحديث عن أهم التداعيات التي تبرز في الأفق الراهن من الحدث فإنها تتمثل: - محاولة صرف هذه الانتفاضات عن مسارها الإيجابي من خلال محاولة حصر التغيير في أشخاص ورموز مثل رئيس النظام أو حاشيته، والحديث عن انتقال للسلطة من شخص إلى آخر دون أي تغيير في شكل النظام وجوهره ودوره، أي بعبارة أخرى تغيير كاريكاتوري لا يمس الجوهر ولا يمت للتغيير الحقيقي بصلة، أو ما يمكن تسميته "سرقة الثورة". - التدخل الأجنبي الذي يلوح في سماء هذه الانتفاضات والذي تحول إلى واقع فعلي من خلال التدخل الدولي في ليبيا، خاصة وأننا متفقون جميعاً أن أميركا ومعها دول الناتو ومن خلفها بعض الدول العربية لا يبحثون عن مصلحة الأمة ولا يحرصون على شعبها بقدر حرصهم على تعميم الفوضى الخلاقة من جهة ومصالحهم من جهة أخرى، فجهل أو مشبوهون من يعتقدون أن أميركا مهتمة بحياة الليبيين. - شبح التقسيم الذي يهدد الأوضاع في بعض الأقطار العربية الذي هو نتاج عوامل في مقدمتها فعل القوى الدولية والإقليمية وممارسات هذا الحاكم أو ذاك من أصحاب نظرية الخلود على كرسي السلطة، وبروز قوى تقدم الطائفية والمذهبية على ما عداها. - رد الفعل العكسي الذي يترك آثاراً سلبية قد تغلق الباب أمام أية محاولة تغييرية إذا انتهت هذه الانتفاضات أو بعضها نهاية سلبية ولإلقاء الضوء على واقع الانتفاضات العربية نستعرض بعضها بإيجاز مثل: 1- تونس: تعتبر ثورة تونس ملهمة الانتفاضات الوطنية العربية وفاتحتها بدأت مع شهادة البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على الجوع والفقر والبطالة، وأثبت لاحقاً أن المطلوب هو الابتكار لا التقليد. وقد وضعت هذه الانتفاضة تونس أمام منعطف جديد فدماء الشهداء الذين قضوا بنيران رجال الأمن وميلشيا الحزب الحاكم حركت البركان التونسي من أقصى البلاد إلى أقصاها مما دفع بالجيش إلى الانحياز للشعب عندما رفض التصدي للمتظاهرين مما اضطر بن علي للهرب إلى العربية السعودية لتتكشف الفضائح عن وجه تونس الزائف بين غنى فاحش لرئيس وأسرة الزوجة السعيدة، وفقر مدقع لعموم أبناء الخضراء الذي عاشوا قرابة ثلاثين عاماً في الظلام. تونس كان مدعومة من كل دول الغرب، أميركا والاتحاد الأوروبي يقدمونها لنا كنموذج للتقدم الاقتصادي إذ بلغ معدل النمو فيها خلال السنوات الخمس الماضية بين 7 إلى 8 بالمئة سنوياً، وأنها أحد علائم الازدهار الاقتصادي والاستقرار الأمني إلا أنها في الحقيقة كانت أنموذجاً للقمع المبرمج، وحسنات النمو تذهب إلى آل طرابلسي ولا يصل الشعب أكثر من واحد بالمئة سنوياً. مع سقوط الطاغية وبزوغ الفجر بدأ الحراك. ومع حل الحزب الحاكم واستمرار الشارع في التعبير عن إرهاصاته تضعف احتمالات سرقة الثورة خاصة بعد أن نجح الشباب في إسقاط الحكومة وحل البرلمان، ولكنها تظل احتمالات قائمة إلا أن الشباب نجحوا في إبعاد الغنوشي رئيس الوزراء، كما كشفت الوقائع هشاشة تأثير راشد الغنوشي والقوى الإسلامية، رغم جهود الجزيرة الحثيثة ومفكرها العربي ومرشدها الديني في محاولة قلب الصورة، فقد ثبت باعتراف كل المراقبين أن الشباب المستقل والقوى القومية هي التي تقف وراء ثورة تونس، وأن هذا الجهد قد أفاد الجميع من خلال حل الحزب الحاكم والتصريح لكافة الأحزاب والقوى بالعمل، وإطلاق جميع السجناء السياسيين، وعودة كل المبعدين إلى أرض الوطن. ورياح تونس هبت خضراء على الإقليم العربي مبشرة ومشجعة نحو انطلاقة جديدة. 2- مصر: ومع أن الحراك الشعبي بعد ثورة تونس بدا حذراً وضعيفاً في الجزائر أمام الإجراءات الأمنية الاحترازية، فقد شعر الجميع أن رياح التغيير قد هبت على الوطن العربي، وأن تونس ليست إلا البداية وكان أن انطلقت الشرارة من ميدان التحرير في القاهرة، هنا كانت الأمة بكل ثقلها المعنوي حاضرة، كما كانت قوى النظام ومن خلفه كل القوى الدولية من الولايات المتحدة إلى حلف الناتو، وكذلك قوى الردة الضليعة في تشويه الحقائق ومحاولة أخذ الأمور إلى غير وجهتها الحقيقية. النظام كان حاضراً بكل ما يملك من قوى في معركة الدفاع عن وجوده من الشرطة إلى الأمن المركزي وحتى الحصان والجمل الذين اقتحموا ميدان التحرير في معركة سوف يسجلها المؤرخون، أما الولايات المتحدة فكانت تمسك العصا من الوسط، فهي حريصة، على استمرار النظام ولو ضحت بأحد أهم أذلائها في المنطقة حسني مبارك، والطرف الثالث في المعركة كانت الجزيرة ومن يقف خلفها بكل ما تطرحه تغطيتها للأحداث من تونس إلى عدن من تساؤلات حول دور مشبوه لم يعد خافياً على أحد، يكفي أن الجزيرة "الموضوعية جداً"، تحاول ولو قسراً أن تنسب الأمجاد إلى "الإخوان" الذين كانوا بدورهم ينفون أنهم قاموا بذلك ويعترفون أنهم مثل باقي القوى والأحزاب التحقوا بشباب ثورة 25 يناير في ساحة التحرير. الجزيرة وتحريض "مفكرها العربي" الذي يبرع يومياً في إعطاء الدروس ومرشدها القرضاوي بأدعيته كانت في واد والشارع المصري في واد آخر، وعلى الطريقة التونسية إلى حد ما ولكن بشكل أوضح تصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشهد فأقيل مبارك أم استقال لا يهم لتبدأ صفحة أخرى لا تقل خطورة بين محاولات تجديد شكلي للنظام وبين أن تثمر الثورة فعلاً جديداً يغطي المشهد المصري برمته. نجح ثوار 25 يناير في توجيه ضربة قاسية للنظام استكملت بدفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتبني خطوات الإصلاح والتغيير، وملاحقة بعض رموز النظام وإقالة حكومة أحمد شفيق. أصحاب المواقف الموضوعية المزعومة وإعلامهم الموضوعي جداً عندما يتحدثون عن نظام حسني مبارك يتحدثون عن القمع والثراء غير المشروع، وعن التوريث وحصار غزة كأسباب ويتجاهلون عن قصد وسابق تصور وتصميم أن حسني مبارك قد سقط منذ أن شرّع دخول القوات الأميركية إلى المنطقة عام 90، وحكم على نفسه بالإعدام عندما شارك بعدوان حفر الباطن على العراق ودخل مرحلة الموت السريري بتسهيله غزو العراق واحتلاله، وكل من يعتقد أن هذه التراكمات ليست هي العامل الحاسم يكون قد استخف بنفسه في لعبة التضليل وخداع الآخرين. على أية حال، حققت ثورة شباب 25 يناير خطوات هامة على طريق استعادة مصر لنفسها من خلال ثورة شبابها إلا أن محاولات سرقة هذه الثورة لم تتوقف، وقد تلقى الشباب أول ضربة عندما هزموا في معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية عندما نجح تحالف أتباع حسني مبارك من الحزب الحاكم مع الإخوان المسلمين في الفوز بالتصويت بنعم على التعديلات الدستورية الأمر الذي يعارضه الشباب، وهذه رسالة عن حقيقة العلاقة بين "الإخوان" ونظام حسني مبارك رغم ادعاءات "الجزيرة"، وبرسمها في آن واحد. تبقى ملاحظة لا بد من الإشارة إليها حول ثورة مصر: يعتبر البعض أن هذه الثورة هي رد فعل شباب مصر على الأوضاع الداخلية وأنها لا تملك أفقاً خارجياً أو بعبارة أدق سياسة خارجية في محاولة لتصويرها وكأنها في واد وأمتها العربية في واد آخر، وهو قول مردود ومرفوض ولا يمت للحقيقة بصلة، فعدم التطرق للملف العربي وتأكيد التزام مصر بالمعاهدات الدولية في إشارة إلى كامب ديفيد يجب أن يفهم في إطاره الطبيعي والصحيح، وأننا نرى أن ثورة مصر وطنية المطالب، قومية الآفاق والسقف، عروبية الأهداف، فهي عندما أبعدت إلى جانب مبارك عمر سليمان وهو صانع سياسات النظام كانت ترد بذلك على كل سياسة النظام السابق من غزة إلى العراق، وعلى كل أشكال الخضوع للهيمنة الأميركية. أما بخصوص معاهدة كامب ديفيد فإني أرى في إطار التوقع المستقبلي أن الاعتقاد بأن أي نظام في مصر سيقوم على إلغاء اتفاقات كامب ديفيد بطريقة استعراضية هو نوع من الوهم والاحتمال الأرجح أن يلجأ النظام المصري القادم إذا ما قدر للثورة أن تنتصر وأن تهزم تحالف "الأيتام - الإخوان" الذي بدأ يلوح في السماء السياسية المصرية، أن يلجأ إلى إنهاء اتفاقات كامب ديفيد من خلال إلغاء مفاعليها العملية والرسمية على الأرض بهدوء شديد خاصة وأن الشق الأهم من هذه الاتفاقات ألا وهو التطبيع لم ينجح في الأساس بفضل وعي أبناء مصر ورفضهم له طيلة أكثر من ثلاثين سنة. المسألة الأخرى الجديرة بالاهتمام هي أن الثورة المصرية في طريقها لإرساء ديمقراطية حقيقية في مصر لا يمكن أن تكون خاضعة للهيمنة الأميركية، ولا في أي حال من الأحوال على علاقة طيبة أو طبيعية مع الكيان الصهيوني. فالديمقراطية الحقيقية سوف تصطدم بالضرورة وسياسة الهيمنة الأميركية التي تريد لأي نظام في مصر أن يكون جزءاً من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، كما أن مفهوم الحرية لا يمكن أن يتعايش مع العدوان والاغتصاب الصهيونيين، أو أي عدوان على الأمة. تبقى إشارة لا بد منها وهي أن تحول مصر من نظام تابع إلى نظام سيد، سيعيد مصر إلى دورها العربي ومكانتها على الساحة القومية، وهذا سيحد من نفوذ قوى إقليمية ودولية تمددت على حساب الجسد العربي بفعل عوامل الفرقة والضعف والفراغ. 3- ليبيا: تبدو الأوضاع في ليبيا خارجة عن المألوف السلمي أو مجرى الأحداث في تونس ومصر، فالمظاهرات الجماهيرية التي قوبلت بقمع شديد سرعان ما تحولت في غصون أيام إلى قوة مسلحة من خلال استيلاء "الثوار" على أسلحة من معسكرات الجيش وخروج بعض كبار المسؤولين عن طاعة القذافي وتشكيلهم للمجلس الوطني الانتقالي فتحولت المواجهة إلى معارك كر وفر بين قوات العقيد القذافي والثائرين عليه. هنا يجب الانتباه إلى أهمية ليبيا في أربعة، شواطئ بحرية قريبة من أوروبا طولها 1800كم، مساحة تبلغ 2 مليون كم2، طريق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، والنفط، وإذا أضفنا إلى ذلك النفوذ الذي يملكه القذافي في أفريقيا على حساب النفوذين الفرنسي والأميركي بغض النظر عن الأساليب يجعل ليبيا في دائرة النار والاستهداف. وهنا أيضاً أؤكد أمام تطورات الأوضاع في ليبيا أنني لست مع القذافي ولن أدافع عنه، خاصة القمع المفرط وغير المبرر للمظاهرات السلمية وأنني مع خيارات الشعب الليبي في الحرية والتقدم، ولكنني لست مع عبد الجليل "المالكي" الذي يبدو في لحظة ما وكأنه نسخة مكررة من نوري المالكي في سيناريو غير مكرر. فهو ومن حوله يحرض أميركا على التدخل ويدعوها لضرب ليبيا إلا أن أميركا تأخرت إلى أن ضمنت تمويلاً عربياً لعدوانها ومشاركة من بعض عملائها العرب. والسؤال هنا برسم الجميع إذا كان القذافي يقتل بقصفه المدنيين فهل في المعارك الاقتحامية أم في الغارات الأجنبية يضرب الشعب بالورود، وهل أبناء طرابلس وسرت وسبها ليسوا شعباً ليبياً ليذبحوا بالقذائف الأطلسية ونيران من يسمونهم بالثوار. الأميركيون استفادوا من درس العراق ولن يكرروا تجربة الاحتلال لذلك فلديهم سيناريو يقوم على ضرب ليبيا وتدميرها وخلق حالة تقسيمية تضمن استمرار تدفق النفط إلى الغرب، وطورت أميركا أسلوبها فبدل إحضار مالكي على الدبابة اخترقت ليبيا بمالكي من نوع جديد، وحوله حاشية هي نسخة مكررة لعلاوي والحكيم والجلبي. وأمام الإرباك الأميركي الذي لا يهمه إلا مصالحه وبعد أن افتضحت أبعاد المؤامرة استفاق متأخراً أمين عام الجامعة العربية الذي ساهم بتغطية العدوان وشرعنته محاولاً إيجاد فاصل بين ما كان يتوقعه والمنحى الذي أخذه التدخل الأجنبي في ليبيا، قلبه في ذلك مع الأميركيين وعينه على آلاف الأصوات التي خسرها في الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر جراء هذا الموقف. وهنا أيضاً وأيضاً يبرز دور "الجزيرة" ومفكرها العربي عزمي بشارة الذي يتصدر شاشتها في الدفاع عن العدوان وتبريره وإعطائه الذرائع الشرعية بحجة أنه مغطى عربياً وإسلامياً وأفريقياً. والسؤال: ألم يكن هذا المفكر العربي هو الذي يتحدث عن خضوع الجامعة العربية للإرادة الأميركية وعن التحاق دول مجلس التعاون الخليجي بركب سياسة واشنطن؟ كذلك فعل القرضاوي الذي آمن وأفتى بشرعية التدخل الأجنبي في ليبيا سياسة تثير الدهشة والاستغراب بقدر ما تحاول الجزيرة أن تظهر أنها إلى جانب التغيير تفضحها مواقفها في أنها إلى جانب كل الحركات والقوى التي تسئ للعرب سواء مذهبية (الحوثي) تقسيمية (معارضة ليبيا) إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة، وتفرد لرئيس وزراء قطر الحديث عن شرعية العدوان على ليبيا دون أن نعرف عما إذا كان يتحدث من الاستديو أم من القاعدة الأميركية القريبة. 4- البحرين: لن نقول في رؤية المشهد البحريني أكثر من أننا مع أي إصلاح سياسي وديمقراطي يجمع عليه شعب البحرين العربي، وضد الاحتكام للقوة مهما كانت الذرائع والأسباب لكن ألا يتفق الجميع أن التحرك في البحرين خرج عن هذا الإطار ورفعت شعارات تمس السيادة والاستقلال؟ كما أن الموقف الإيراني والقوى المتناغمة معه واضحة ولم تترك لبساً أو جدلاً حول محاولات جر الاعتراضات إلى خنادق المذهبية المقيتة. 5- العراق: الفساد والاحتلال توأمان متلازمان، فعندما تمتلئ ساحة التحرير مرة ضد الفساد ومن أجل القضايا المطلبية وعندما تمتلئ مرة أخرى مطالبة بالإفراج عن المعتقلين وتتجاوب كل محافظات العراق من شماله الكردي إلى جنوبه العربي الأصيل تصبح الصورة كاملة عن التحرك الشعبي الوطني ليقابل بالقمع المدعوم من الاحتلال والجارة، وبقدر أصالة هذا التحرك يقابل بالتعتيم وتمر عليه الفضائيات الموضوعية مرور الكرام، إلا أنه واعد بغد حر لعراق حر ومحرر، أعجب ذلك البعض أم لم يعجبهم؟! 6- اليمن: تجاوز مشهد القمع في اليمن كل التوقعات، إلا أن الوضع اليمني يواجه تحديات متعددة، فالرئيس علي عبد الله صالح يتمسك بما يسميه دستورية عدم المغادرة، والحوثية تخوض حرباً على أساس مذهبي، أما الحراك الجنوبي فيسعى إلى التقسيم، والمعارضة الوطنية تريد إسقاط النظام. مع صدور هذا العدد قد يكون الرئيس علي عبد الله صالح قد غاب عن المشهد السياسي اليمني أو على وشك الغياب كما تشير الوقائع وفي خاصرة منطقة الخليج العربي الحيوية والحساسية إلا أن ما يهمنا هو التأكيد على يمن موحد حر وديمقراطي وتعددي بعيداً عن الفساد والمحسوبية والرشوة، ومركز استقرار على عتبات باب المندب المنطقة الاستراتيجية المهمة. نتائج أولية: بعد هذا الاستعراض الذي نتوقع أن نعود إليه مرة أخرى نقول إنه إذا كان لا بد من حديث عن نتائج فإن الإشارة السريعة تشير إلى أن أهم هذه النتائج يتلخص في: - استعادة الجماهير ثقتها بنفسها وكسر حاجز الخوف وانتصارها على أدوات القمع مما يشجعها على تكرار المحاولة حتى النجاح الكامل والحقيقي. - إن الانتفاضات الوطنية العربية ربطت بين الحرية ورغيف الخبز، بين التعددية والانتصار على أدوات القمع، بين محركها الوطني وهاجسها القومي. - إن هذه الانتفاضات ليست إلا مقدمة وخطوة على طريق المشروع النهضوي العربي التي طال انتظاره منذ أواخر القرن التاسع عشر. - إن الحرية الحقيقية لا بد من أن تصطدم بالعدوان الصهيوني على الأمة، والديمقراطية لا تتوافق مع الهيمنة الأميركية. كما أن كليهما، الحرية والديموقراطية، يرفضان التيارات والحركات التي تتمدد على حساب العرب وتستبيح دمهم وأرضهم وحقوقهم مهما تضللت ورفعت من شعارات. - إن مخاطر التقسيم والتدخل الدولي تستدعي مضاعفة الجهود للتصدي لذلك. - إن بقايا النظام العربي المنهار تلجأ إلى حشد قواها خلف الولايات المتحدة كشكل من أشكال الحماية. - تراجع الخوف من سيطرة "التطرف المزعوم" وهزيمة الظاهرة الدينية السياسية بعد أن اتضح أن ضجيجها أكثر من فعلها بكثير. - إن هذه الانتفاضات عرت بعض الظواهر الطائفية والمذهبية وكشفت جزءاً هاماً من الإقليمي ونواياه وخططه. - عززت ثقة الأمة بقدرتها وقدرها ودورها الرسالي. لقد كشفت زيف الادعاء الأميركي بالحرص على الشعب العربي وأن ما يحركها هو مصالحها وحقدها التاريخي على الأمة فالعدوان الأميركي الأطلسي على ليبيا لا يمكن تبريره إلا إذا كانت قذائف أميركا تحمل وروداً وهدايا. - منهم من ذهب ومنهم من ينتظر ولن يبقوا طويلاً. في 27/3/2011 | |
|