مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي
الرفيق احمد ميشيل عفلق هو مؤسس البعث وواضع أسس عقيدته ، وقد اقترن تاريخ البعث ، طوال أكثر من نصف قرن ، بفكر هذا القائد الفذ ، ونضاله الفكري والسياسي ، ومسيرته الوضاءة الصافية ، وسيظل فكره ، ونضاله وسيرته ، نبع الهام ثراً لجميع رفاقه وتلاميذه الأوفياء ، ولكل مناضل يسعى لإنهاض أمته في الوطن العربي وفي العالم اجمع •
نحن الجيل العربي الجديد نحمل رسالة لا سياسة .. إيماناً وعقيدة .. لا نظرياتٍ وأقوال .. القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق( رحمه الله ) 1943
ولد القائد المؤسس الرفيق احمد ميشيل عفلق في التاسع عشر من كانون الثاني عام 1910 في مدينة دمشق • وكانت أسرته رحمه الله أسرة عربية معروفة من جهة أبيه وأمه • وكان البيت الذي نشأ فيه احد بيوت حي الميدان ، وهو حي من أحياء دمشق القديمة كان معقلاً للوطنية والعروبة ومنبتاً للثورات الوطنية في سورية •
ففي هذا الحي شهد الرفيق عفلق مبكراً صورة اعتقال والده على أيدي السلطة العثمانية كما شهد معالم الابتهاج بأول حكم استقلالي عربي عام 1918 ورأى صور مقاومة الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون عام 1920 ، وفي هذا الحي عايش أجواء الثورة السورية وأخبارها يوماً بيوم ، ولاحظ أهل الحي وهم يطلقون شرارتها الأولى عام 1925 فكان لهذا كله اثر في صياغة وجدانه الوطني والقومي وتفتح وعيه واتقاده •
وقد بدأ الرفيق القراءة والمطالعة في سن مبكرة ، وكانت قراءاته ومطالعاته تتفاعل مع معاناة البيئة التي نشأ فيها وتتجاوب مع همومه الوطنية والقومية •
وقد تركزت قراءاته الأولى في أدب العرب وتاريخهم ، فاستهواه الشعر الوطني وشغف بسيرة الرسول العربي ، وقرأ بعض الكتابات العلمية والاجتماعية وهذا أدى إلى تعميق وعيه القومي والاجتماعي ، وكان لخاله الدكتور شكري زيدان اثر كبير في توجيه قراءاته ومطالعاته •
لذلك جاءت أحداث الثورة السورية المسلحة عام 1925 ومعايشته اليومية لأجوائها وأخبارها عاملاً مهماً في تطوير هذا الوعي ، خاصة وإنها قد تزامنت مع أحداث ثورة عربية أخرى في الريف المغربي على المستعمر الفرنسي نفسه •
وحين اضطرت فرنسا في النهاية إلى إتباع سياسة التفاوض ، وتجمع الوطنيون السوريون في حزب عرف باسم ( الكتلة الوطنية ) واشتركوا في أول مجلس تأسيسي ، وفي وضع دستور لسورية عام 1928 ، كانت أسرة القائد المؤسس ضمن هذا التكتل الوطني الجديد ، وشارك والده المرحوم يوسف عفلق في نشاطاته ، وكان القائد المؤسس نفسه مؤيداً لهذا التكتل ، وثبت على موقفه بالرغم من كل التقلبات السياسية اللاحقة ، وظل كذلك حتى أنهى دراسته الثانوية وسافر إلى فرنسا لإكمال دراسته
وهكذا اتجهت سيرة القائد المؤسس وجهة وطنية جادة منذ صباه ، فلم يلهه الصبا بما يلهي غيره عن قضايا وطنه وأمته ، ولا صرفه عن تثقيف نفسه وتعميق وعيه ، بل اتجه إلى كل ما هو مثمر وجاد في بناء الشخصية وتطويرها وزجها في أنشطة ايجابية مفيدة ، وهذا في حد ذاته درس من الدروس •
سافر الأستاذ عفلق إلى باريس ليكمل دراسته في كلية الآداب بجامعة السوربون ، ويحصل منها على شهادة جامعية في حقل التاريخ • وكان اختياره هذا الحقل ذا صلة واضحة باهتماماته الفكرية والسياسية وبدلاً من أن تلهي باريس وأضواؤها وأجواؤها الخاصة شاباً مثله ، وتأخذه بعيداً عن قضايا وطنه وأمته ، مارس رحمه الله النشاط الطلابي ببعديه السياسي والثقافي • فانضم إلى جمعيتين هما : الجمعية العربية السورية وجمعية الثقافة العربية • وكانت الجمعية الأولى سياسية تطالب بالاستقلال والدفاع عن قضية فلسطين وتدعو إلى الوحدة العربية الشاملة ، بينما كانت الأخرى جمعية ثقافية تعنى بالتعريف بآداب العرب ونتاجهم الفكري وتذكير العرب أنفسهم بأنهم أبناء ثقافة واحدة وحضارة واحدة ، وان التجزئة حدث طارئ على حياتهم •
درس الأستاذ عفلق التاريخ دراسة علمية منهجية بوصفه موضوع تخصصه ولكنه لم يحصر قراءاته في هذا النطاق وحده وإنما انهمك في الاطلاع على أعمال ابرز المفكرين والأدباء الأوربيين المعاصرين • ومع انه شغف بآراء أولئك الكتاب وأساليبهم لم ينس أمته في تاريخها وحضارتها وخصائـصهـا ، كما يحدث لكثير ممن يدرسون في جامعات الغرب ويتأثرون بفلاسفته ومفكريه وبأنماط الحياة فيه ، ولا تجاهل واقع الأمة الخاص ومشكلاتها وما تعانيه من استعمار وتخلف واستغلال ، فراح يدرس ماضي العرب بعمق وتأن ويحلل حاضرهم بتناقضاته وصراعاته ليستشرف من بعد ذلك المستقبل بما يخبئه من دور متميز لهذه الأمة في سياسة العالم وحضارته •
وفي باريس كان الأستاذ عفلق يلتقي بالطلبة العرب ولا سيما المغاربة منهم وكان يحاورهم في شؤون الأمة وشجون أقطارها ، وكان هذا يعزز عنده القناعة بوحدة مشكلات الأقطار العربية ووحدة مصيرها ، ويؤكد له أن مؤامرة واسعة ومحبوكة كالتي يتعرض إليها الوطن العربي ، لا بد أن تقابلها إرادة عربية موحدة ونضال عربي موحد للرد عليها وإحباطها • فلا فائدة إذاً من أحزاب وحركات محلية تظهر في هذا القطر أو ذاك ، مهما رفعت من شعارات وادعت من دعاوى ، وإنما يجب أن يكون هناك تنظيم واحد بقيادة موحدة وعقيدة واضحة وأصيلة تنظم العمل السياسي في الوطن العربي كله وتوجهه نحو أهداف محددة فيناضل من اجل أن تكون الوحدة العربية بديلاً للتجزئة ، والحرية بديلاً للاستعمار الأجنبي والاستبداد الداخلي ، والاشتراكية بديلاً للاستغلال وهيمنة الرجعية والإقطاع •
وقد تجاوب مع هذه الأفكار بعض زملاء الأستاذ عفلق وأصدقائه ولا سيما صلاح الدين البيطار الذي اغتاله النظام السوري المجرم • وقد كان البيطار رحمه الله يدرس الفيزياء في باريس ، فتعاهد الشابان على العمل معاً من اجل هذه القضية وعلى أن يهبا حياتهما عند عودتهما إلى الوطن ، لأهدافها السامية النبيلة ، بخلاف الكثيرين ممن يعدون الشهادة غاية الغايات ، ويستخدمونها لبناء حياة شخصية آمنه ومستقرة ، ويديرون ظهورهم لآلام الأمة ومعاناتها ، وكأنهم ليسوا منها ، وغير معنيين بأحوالها المتردية •
عاد الأستاذ عفلق مع رفيقه البيطار إلى سورية عام 1933 ، عادا وهما في شرخ الشباب ، وعينا مدرسين في اكبر مدارس دمشق وأهمها ( مدرسة التجهيز الأولى ) ولكنهما لم ينسيا ما تعاهدا عليه ، ولا استسلما لدوامة الحياة اليومية ، ولا أغراهما ما تحقق من أهدافهما الشخصية ، بل شرعا بنشر بعض الكتابات السياسية التي أصبحت في ما بعد من أطروحات الحزب الأولى وأفكاره الأساسية •
ومع أن التوجهات الأدبية كانت واضحة وواعدة لدى الأستاذ عفلق ولا سيما في مجال القصة القصيرة والمقالة والنقد ، ووجد فيها النقاد مستوى جديداً من الإبداع السائد في تلك المرحلة • مع ذلك ، انصرف الأستاذ عن تلك التوجهات وانهمك في العمل السياسي وكرس قلمه للكتابات السياسية والـفـكـرية ، ولا سيما الكتابة حول القومية العربية ورسالة الأمة واستعدادها لدخول مرحلة ثورية تحررية أصيلة وعميقة ذات آفاق حضارية وإنسانية •
وسرعان ما استقطبت هذه الأفكار عدداً من الشبان القوميين المتحمسين من طلبة المدارس والجامعات فالتفوا حول الأستاذ عفلق ورفيقه البيطار ، وانتظموا معاً في موقف قومي واحد وعقيدة ثورية جديدة وراحوا يبشرون بها بين زملائهم ، غير أن هذا التجمع لم يتحول إلى حركة سياسية إلا بعد أن استكملت الشروط الموضوعية اللازمة لإنشاء مثل هذه الحركة ، فكان ذلك في بداية الأربعينات ، إذ قام الأستاذ ورفيقه بتكوين أول جماعة سياسية منظمة سميت باسم ( الإحياء الـعـربـي ) وصدر البيان الأول لهذه الـحـركـة فـي شـبـاط 1941وراحت هذه الحركة تبشر بأفكارها وتمارس نشاطها السياسي •• وكانت باكورة أعمالها ، نداءها للمشاركة في دعم انتفاضة العراق الوطـنـيـة عـام 1491 وتشكيل كتائب نصرة العراق •
ولم يلبث الأستاذ عفلق أن استقال من مهنة التدريس واستقال معه البيطار عام 1941 وتفرغا معاً للعمل الحزبي •• حتى إذا حل عام 1945 افتتح الأستاذ ورفيقه أول مكتب للحزب في دمشق ، ورددت قسم الحزب أول مجموعة بعثية من أعضائه •
غير أن الأستاذ عفلق لم يكن مجرد مفكر سياسي ، بل كان مناضلاً بكل ما لهذه الكلمة من معنى • فكلما اقتضت معارك الأمة حمل السلاح ، وجدت الأستاذ ورفاقه يهبون إلى حمله • لقد حدث هذا أول مرة عام 1941 حين شكل حركة باسم ( حركة نصرة العراق ) أيام اندلاع ثورة 2 مارس ضد الاستعمار البريطاني وعملائه • ثم تكرر حين قصف المستعمرون الفرنسيون مدينة دمشق عام 1945 وتكرر مرة أخرى في نيسان 1948 حين قاد الأستاذ ورفيقه البيـطـار ، مجموعات المتطوعين البعثيين في حرب فلسطين •• وهكذا هو المناضل البعثي •• رجل فكر وتنظيم وسياسة وبناء في أوقات السلم ، ومقاتل ثوري مضح بالروح حين تقتضي معارك الأمة القتال ••
وفي نيسان عام 1947 افتتح الأستاذ عفلق المؤتمر التأسيسي الأول للحزب ، واقر في هذا المؤتمر دستور الحزب ونظامه الداخلي ، وانتخب الأستاذ عميداً للحزب ( أي أمينا عاماً له ) وظل يشغل هذه المسؤولية حتى وفاته في 23 حزيران 1989 ، عدا ســـنــوات مـعـدودات (1965-1968) حين بدأ التمهيد لمؤامرة 23 شباط 1966 في سورية ، تلك المؤامرة التي استهدفت تصفية الحزب وتشويه شعاراته والتلاعب بأفكاره ومبادئه ••
وقد تعرض الأستاذ عفلق مرات عديدة خلال حياته للاضطهاد والاعتقال والمطاردة والتشريد •• وكثيراً ما اضطر بسبب هذا إلى الاختفاء والتنقل وتغيير أماكن الإقامة • ففي أيلول عام 1948 حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر في اثر عودته من ساحات القتال في فلسطين ••
وناضل الأستاذ عفلق ضد الدكتاتورية العسكرية التي تعاقبت على حكم سورية في أوائل الخمسينات واعتقل مع عدد كبير من رفاقه البعثيين •
وقد لوحق الأستاذ غير مرة واستهدفت حياته غير مرة ، فاضطر إلى مغادرة سورية والإقامة في لبنان وغيرها حتى استقر في العراق في أواسط السبعينات •• ولم تكن ثمة معركة خاضتها الأمة أو قطر من أقطارها إلا وكان للأستاذ جهد فكري وسياسي في خوضها •• وهكذا كان الأمر مع حركات الاستقلال والثورة في أقطار المغرب العربي ، ولا سيما ثورة الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي •• وفور قيام ثورة 14 تموز 1958 زار الأستاذ العراق وأعلن تأييد الحزب لها وإسناده إياها ••
وكان الأستاذ عفلق داعية للوحدة العربية طوال حياته ، وفي المدة بين 1955 و 1958 كان ابرز الداعين إلى وحدة مصر وسورية ، بما بذل من جهود فكرية وسياسية مكثفة وقوية ، وأدى دوراً أساسيا في انجاز هذه الوحدة •• وحين جرى التآمر ووقع الانفصال قاومه الأستاذ عفلق فكراً وسياسة ، فما كان من الانفصاليين إلا اضطهاده وإيذاؤه ••
وحين فجر الحزب ثورة 17 - 30 تموز 1968 في العراق ، وعززت الثورة خط الحزب الأصيل ، كان الأستاذ عفلق على صلة وثيقة برفاقه في بغداد يزورهم بين الحين والأخر ، ويطلع على نشاطاتهم وانجازاتهم ، ويلقي الكثير من الخطب والأحاديث التي تحتوي أفكاره وتعبر عن تجربته النضالية الطويلة ، وظل هكذا حتى غادر لبنان واستقر في العراق حيث تبنى التجربة البعثية الأصيلة وتخاض معارك الأمة الجهادية ••
وقد وجد الأستاذ عفلق في الرفيق القائد صدام حسين نموذج البعثي المناضل الذي وهبه الله مواهب القيادة ، وبنى بنفسه شخصيته النضالية ، وعزز بفكره ونضاله وخبرته العميقة ما وهبه الله ، وهو القائل عنه : ( إنه هدية البعث إلى العراق .. وهدية العراق إلى الأمة ).