ابو عصام العراقي عضو جبهة التحرير العربية
عدد المساهمات : 237 تاريخ التسجيل : 05/11/2010
| موضوع: ربيع الثورة العربية في ذكرى احتلال العراق الأربعاء أبريل 13, 2011 10:17 pm | |
| ربيع الثورة العربية في ذكرى احتلال العراق أمير المفرجي 14-4-2011 تمر علينا هذه الأيام الذكرى الثامنة لقيام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها باحتلال العراق وتعرض الشعب العراقي لأقسى المآسي، بعد ان سرقت ثرواته، وهُجرَ الملايين من أبنائه إلى خارج البلاد، نتيجة لتدخل الولايات المتحدة عبر مخططها الاستعماري المُتمثل بالتقسيم الطائفي للعراق، وتنصيب حكومات اثنية جلبت للعراقيين الكثير من الويلات والدمار والحزن. ومن يقرأ الخريطة السياسية الحالية لبلاد الرافدين بأحزابها وسياسييها، وفي ظل تلك القوى السياسية المذهبية التي تتصارع على السلطة، يدرك جيدا أسباب هذه الفوضى وهذا البؤس والانحطاط التي آلت اليه الأمور في هذا البلد. وإذا كان سيناريو (الديمقراطية المذهبية) ومسلسلات الانتخابات البرلمانية التي جاءت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد استطاع في البداية من إخراج فريقين رئيسيين للتصارع على السلطة بزعامة نوري المالكي وأياد علاوي، فقد أثبتت الأحداث الأخيرة زيف هذه الديمقراطية ونظامها التعددي بعد تحجيم التيار (المدني الوطني) ونقض الاتفاق بعدم الموافقة على السماح لأياد علاوي بالمشاركة في صنع القرار، ومن ثم إفشال هذا السيناريو واستحواذ نوري المالكي على السلطة وانفراد ما يدعي به البعض بنظام الأغلبية الطائفية في الحكم وفي عمل الحكومة .
ومن يقرأ أيضا تركيبة العراق الاثنية والطائفية الجديدة التي صنعتها الأحداث الأخيرة بعد احتلال العراق في 2003، ودور هذه القوى المتصارعة على السلطة، بما فيه تشبثها المُميت بالحكم، يدرك جيدا حجم الخطر القادم واحتمالات تفكك العراق وانقراضه نتيجة للرفض المنطقي الذي تبديه المذاهب والأديان العراقية الأخرى لهذه الهيمنة المذهبية المحددة، ناهيك عن الرفض الوطني العلماني الواسع الذي تمثله شريحة مهمة وعريضة من الطبقة الوسطى المثقفة بجذورها الوطنية العميقة، وولائها المطلق للمرجعية الوطنية ومبدأ المواطنة، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من الجيل الجديد من الشباب العراقي الرافض لدولة دينية اثنية تقيد حرياته وتحجم طموحاته المشروعة في بناء مجتمع عراقي حديث ومتطور، أسوة بالمجتمعات المتطورة الأخرى، التي لم تعد خافية عليه من خلال ثورة الإعلام العالمي والانترنت، التي سعى الغرب من خلالها ولا يزال يعمل على خلق نظام سياسي جديد تابع له في العالم يتناغم مع السياسة الغربية في المجال السياسي والأمني والاستراتيجي والاقتصادي.
وتناغماً مع التغيرات المهمة التي عصفت بالعالم العربي والإسلامي أخيراً، فقد أثبتت أحداث العـــــراق الأخيرة التي رافقت التطورات التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية، وما سمي بـ (الربيع العربي) في صحة التوقعات من ان هناك شريحة واسعة لقوى وطنية وشعبية عراقية مناهضة لنظام المالكي، وللثقافة الدخيلة التي يحاول هذا النظام من تطبيقها، بل وتثبيتها في العراق. وعندما تقرأ وتـُفسر فحوى مكونات ومطالب هذه القوى الوطنية العراقية التي عانقت قاماتها المتعبة والمنهكة رموز نصب الحرية في ساحة التحرير، نرى تنوعا متعددا من الشعارات والمطالب التي هي في الحقيقة تحصيل حاصل وشامل لوضع البلاد وما عاناه العراقيون والعراقيات من بؤس واعتقال وظلم منذ 2003. فشعارات 'إيران بره بره.. بغداد تبقى حرة' و'كذاب نوري المالكي كذاب' و'نفط الشعب للشعب مو للحرامية' تُمثل فهم العراقيين للوضع في بلدهم وطبيعة ونوايا من يحكم بلدهم، بالإضافة إلى ما هُتف به من مطالب واقعية عن الفساد ونقص الخدمات من ماء وكهرباء، والتي هي معاناة أغلبية الشعب العراقي التي يتحمل مسؤوليتها نفس النظام الحالي.
وان كان حجم التظاهرات العراقية وشدة انفعالها لا يوازي الحجم والقوة بالنسبة إلى مثيلاتها في المنطقة، بيد ان فحوى أهدافها وموضوعية مطالبها في بلد مـُحتل تنقص حكومته الشرعية الوطنية وقبولها من الجميع، قد أبرز وأخرج إلى السطح صورتين متناقضتين لحقيقة الوضع في العراق بعد 8 سنوات من احتلاله. فالأولى لبلد غني فاشل وفاسد ومتخلف يحكمه أناس فاشلون لا تربطهم بالوطن سوى المناصب وكسب الأموال وبأي طريقة كانت، وما تصريح النائب فتاح الشيخ الأخير إلا قطرة من بحر الفساد العراقي، حين تكلم عن أوهام عمليات إعمار العراق ومصير وثروات الشعب العراقي، التي سوف لا تخفيها أساليب القمع والتعتيم التي مارسها النظام ضد المتظاهرين، ناهيك عن مدة المئة يوم التي أرادها المالكي والتي هي لا تمثل إلا سياسة الهروب إلى الأمام وكسب الوقت نتيجة لفشله ومسؤولية حكومته في تدهور أحوال وأوضاع العراق رغم حجم العوائد النفطية الهائلة التي دخلت العراق.
أما الصورة الثانية فهي ما عبرت عنه هذه الانتفاضة التي شارك فيها كل أبناء الشعب العراقي من تطلعات ومطالب مشروعة وما أظهرته للعالم من تحضر وتمدن ووطنية وعدم طائفية الشعب العراقي، بعد أن أضحت منبرا وساحة علنية بما تفكر به غالبية الشعب في الخفاء. فالعراقي يطالب بالاستقلال ومنحه الفرصة في أن يختار عبر انتخابات حرة لا تخضع للاحتلال، ولا لهيمنة الأحزاب الفاسدة التي تمارس عملية النهب المنظم لثروات الشعب العراقي وواردات النفط. والعراقي يتساءل أيضا عن مصير جميع المعتقلين الذين بلغوا مئات الآلاف وأودعوا السجون، ولاقوا ألوان العذاب ظلما وعدوانا، ناهيك عن محاربة الفقر والبطالة اللذين عما أرجاء العراق. وبتحصيل حاصل، لم تكن الانتفاضة العراقية بثورة سياسية سلمية لكشف المستور ومنبرا وطنيا لهذه الشريحة الواسعة من العراقيين فقط، بل كانت في نفس الوقت ساحة علنية في الهواء الطلق أظهرت فيها وتحت ضوء الشمس أساليب النظام الخفية في معاملته للشعب. فثمة حقائق ووقائع لا ريبة فيها أثبتت أكاذيب السلطة الحاكمة وبرهنت للشعب مدى قمعية ودكتاتورية نوري المالكي واستهزائه بكرامة وحقوق وأرواح المواطنين الشرفاء الذي يبحث عن حقوقه الشرعية.
لقد برهنت أحداث الثورة العراقية والشعارات التي رافقتها على وطنية المطالب الشعبية وأثبتت موضوعيتها واستقلاليتها وبُعدها كل البعد عن التخندق الحزبي والطائفي. إنها لوحة مألوفة لوجوه عراقية لم تكن غريبة علينا، نعرفها بتفاصيلها وتعابيرها ونتحسس ونتلمس آهاتها ومآسيها، نسمعها ونراها عندما تغضب في هتافات جمعة الغضب في 25 شباط/ فبراير حين سالت الدماء على تراب مدن العراق لتجسد مفهوم الوحدة الوطنية. نسمعها ونراها عندما تندم في 7 اذار/ مارس على إعطاء أصواتها لمن خان الوطن وسرق ثرواته. نشاركها الألم في صيحات يوم المعتقل والتضامن مع المعتقلين الذين يقبعون في السجون من غير محاكمات، وتخليدا لذكرى الذين سقطوا ضحية الغدر من أهلنا في العراق. فمن منا من لم يُهجر ومن منا من لم يفقد أخاً أو أبناً أو أباً. إنها الوحدة في الهوية والمآســـي والفقر والاحتلال، على الرغم من فرض هذه الصورة الطائفية القبيحة التي صنعتها الأحداث الأخيرة من احتلال العراق. لقد كانت انتفاضة العراقيين في بغداد ومدن الوطن الأخرى أشبه بلوحات نضال جميلة ووسام صدر يتشرف بحمله جميع من يريد أن يرفع رأسه حراً في عراق الغد. فما أحلاك يا عراقي عندما ترفع رأسك، وما أجملك يا وطني عندما تثور. نُشر المقال في صحيفة القدس العربي في عددها الصادر الأربعاء 13 نيسان 2011 المصدر بر يد المركز 14-4-2011 | |
|