جهينه الزبيدي عضو جبهة التحرير العربية
عدد المساهمات : 347 تاريخ التسجيل : 05/11/2010
| موضوع: المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام ، دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع الفارسي ﴿ الجزء السادس ﴾(2) الجمعة أبريل 22, 2011 10:56 am | |
| المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام ، دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع الفارسي ﴿ الجزء السادس ﴾(2) منتدى"ملاك صدام حسين حــديـد الـعــربي الفصل الثالث من فصول المؤامرة فعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان بصيرا بالداء وعنده الهمة على الدواء، يعلم أن اختلاف أمته ليس في ربها تعالى ولا في نبيها صلى الله عليه وسلم ولا في كتابها القرآن الكريم "...وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم"(34) حقا لقد كان ابن عبد العزيز خبير أمته والعالم بحالها، ففي ثلاث كلمات لا غير اختصر محنة الأمة وشخَّص دائها ودوائها في آن معاً، فكل مفردات الانحراف التي سبقته زمنياً والتي جرّد سيفه لحربها والتي تراكمت بعده حتى يومنا هذا كانت لا تتعدى الدينار والدرهم، وإلا لما كان بإمكان اليهود والنصارى والمجوس أن ينالوا منها شيئاً لو لم يكن عشاق الدينار والدرهم لهم عوناً وسنداً وأداة تنفيذ، فحتى غزو العراق عام 2003م ما كان ليحقق أهدافه وأغراضه، بل وما كان القائمون عليه ليفعلوا لولا هؤلاء العشاق من العرب المسلمين وأدوارهم، رضي الله تعالى عن أبي حفص الذي صرخ صرخته المجلجلة فما التفت إليه ولا عاد إليه أحد من أهل الدنيا عبيد الدينار والدرهم، وما أَجْدَته وديان دموعه إشفاقا على أمته لعلها تستفيق من غفلتها، فما فعلت، والله تعالى : {لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}(35) فلنتعقب ما فعله منذ أول ساعات ولايته لنستدل منها على أثر الدينار والدرهم بعد زمن لم يبعد كثيراً عن عصر الخلفاء الراشدين، نستلها من بعض مواقفه التي تعطينا صورة جلية عن ذلك الواقع، كما وردت في سيرته التي وثقها الحافظ ابن الجوزي 510-597ه بكتابه" سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد": - لما دفن عمرُ بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك ، "وخرج من قبره، سمع للأرض هدة، أو رجة، فقال: ما هذه؟ فقيل: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين. قربت إليك لتركبها.فقال: مالي ولها، نحُّوها عني، قربوا إليَّ بغلتي". فهذا مظهر للانحراف كان قد استجد مع الدولة الأموية تأثراً بالروم والفرس. - جاء صاحب الشرطة يسير بين يديه بالحربة، فقال: "تنحَّ عنِّي، مالي ولك، إنما أنا رجل من المسلمين". وذاك مظهر أخر يشير إليه الخليفة الزاهد. - دخل المسجد، فصعد المنبر واجتمع إليه الناس فقال: "أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين. وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم. فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين". وهو بذلك كان يحاول تصحيح أخطر الانحرافات بالعودة إلى الشورى. - دفع عنه عشاق الدنيا بغير حقها فقال:"إني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقاً". وهذه إشارة واضحة لانحرافٍ آخر. - أمر الرعية بأن تمارس دورها وواجبها في الرقابة:"أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله، فلا طاعة لي عليكم". - أمر بالستور فهُتِكت، والثياب التي كانت تُبسط للخلفاء، فحُمِِلت، وأمر ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين. وهذه إشارة أخرى لانحرافٍ آخر. - ثم توجه لينام قليلا، فأتاه ابنه عبد الملك فقال:" يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع؟ قال: أي بني، أقيل. قال: تقيل ولا ترد المظالم؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في أمر عمك سليمان، فإذا صليت الظهر رددت المظالم. قال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: أدن مني أي بني. فدنا منه، فالتزمه وقبّل بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.فخرج ولم يَقِلْ، وأمر مناديه أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها. فجعل لا يدع شيئاً مما كان في يد سليمان وفي يد أهل بيته من المظالم إلاَّ ردها مظلمة مظلمة". فقام إليه رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس واللحية، يطالب بأرضه التي اغتصبها منه العباس بن الوليد بن عبد الملك فردها عليه. وذلك كان دليلاً أكيداً على الانحراف عن جوهر العقيدة ونظام حكمها. - وصعد يوما على المنبر فقال: أيها الناس إني أنساكم هاهنا، وأذكركم في بلادكم، فمن أصابته مظلمة من عامله فلا إذن له عليَّ، ومن لا، فَلاَ أرينَّه، وإني والله إن منعت نفسي وأهل بيتي هذا المال وضننت به عنكم، إني إذن لضنين، ولولا أن أنعش سنّة، أو أعمل بحق، ما أحببت أن أعيش فواقاً. - خرج في جنازة، فأتي ببُرد كان يلقى للخلفاء يقعدون عليه إذا خرجوا إلى جنازة، فألقي له فضربه برجله، ثم قعد على الأرض. وهو يصحح لسلوكٍ كان قد انحرف. - سمع الناس في منزل الخليفة بكاء عالياً، فسُئل عن البكاء، فقيل " خيَّر أمير المؤمنين امرأته بين أن تقيم في منزلها - وأعلمها أنه قد شُغِل عن النساء بما في عنقه - وبين أن تلحق بمنزل أبيها، فبكت، فبكى جواريها لبكائها". وذلك هو القدوة والنموذج المشع برز بعد كم من الانحرافات الخطيرة. - غُلت فيه الغرائز وسُجنت يوم توليه الخلافة، فكما قالت زوجته فاطمة بنت عبد الملك: "ما أعلم أنه اغتسل من جنابة، ولا من احتلام، منذ استخلفه الله إلى أن قبضه) - لما ولي الخلافة جاءه الناس، فلم رأوه لا يعطيهم إلاَّ ما يعطي العامة، تفرقوا عنه، ثم قرَّب إليه العلماء الذين ارتضاهم. وذلك من أسباب الحصانة والحماية الحقة من الزلل والشطط، وليست الحواشي العسكرية المدججة بالأسلحة. - أتى رجل من أهل أذربيجان عمر بن عبد العزيز، فقام بين يديه، يشكوه عامل أذربيجان الذي عدا عليه فأخذ منه اثنا عشر ألف درهم فجعلها في بيت مال المسلمين، فقال عمر: اكتبوا له الساعة، إلى عاملها حتى يرده إليه. تصحيح أخر لانحراف عمق الفجوة بين العرب وعقيدتهم وبين الأقوام التي كانت أحوج ما تكون لشريعتهم وعدلهم لتغير واقعها المريض، لكن العمال الذين انحرفوا لدنياهم كانوا كمستعبدي تلك الشعوب في حبهم للمال فذهب العدل بأطماعهم. - كان من تحسبه وأمانته أن حدد حجم الكتاب الذي يرسله العمال إليه بكف ونهاهم عن المدِّ في الخط، اقتصادا بالورق والمداد. - كتب إلى عامله عدي بن أرطأة يقول: " أما بعد فإني كتبت إليك بكتب كثيرة أرجو بذلك الخير من الله تعالى، والثواب عليه، وأنهاك فيها عن أمور الحجاج بن يوسف، وأرغب عنها وعن اقتدائك بها، فإن الحجاج كان بلاء وافق خطيئة قوم بأعمالهم، فبلغ الله، عز وجل، في مدته ما أحب من ذلك، ثم انقطع ذلك وأقبلت عافية الله، عز وجل، فلو لم يكن ذلك إلا يوما واحدا، أو جمعة واحدة، كان ذلك عطاء من الله، عز وجل، ونهيتك عن فعله في الصلاة، فإنه كان يؤخرها تأخيرا لا يحل له، ونهيتك عن فعله في الزكاة، فإنه كان يأخذها في غير حقها ثم يسيء مواقعها. فاجتنب ذلك منه، واحذر العمل به، فإن الله، عز وجل، قد أراح منه، وطهَّر العباد والبلاد من شره، والسلام"(36)وهي عودة لمسار الدرّة لا السيف. - كتب أحد عماله إليه يعلمه أن مدينتهم خربت ويطلب مالا لترميمها، فيجيبه: " أما بعد؛ فقد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت. فإذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل. ونقِّ طرقها من الظلم. فإنه مرمتها. والسلام"(37) - في أحد أيام خلافته جمع بني مروان فقال: " إنكم قد أُعطيتُم حظاً وشرفاً وأموالاً. إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثيها في أيديكم" (38) وذلك تشخيص أخر لجانب من الانحرافات التي اتسمت بها سلوكيات عشاق الملك العضود. لكن غياب عمر بن عبدالعزيز السريع أعاد الموكب إلى مسير المؤامرة سريعاً وكأن شيئاً لم يحدث،ففي عام 110ه وفي خلافة هشام بن عبد الملك وبعد أن تولى أشرس ولاية خراسان خلفاً لخالد بن عبد الله القسري وأخيه أسد، خرج أبو الصيداء صالح بن طريف والربيع بن عمران التميمي إلى سمرقند، فدعا أبو الصيداء أهلها ومن حولها إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية، فسارع الناس وأسلموا، لكن القائد الذي يجبي الجزية لم يرقه الأمر، وبناءاً على طلبه وُضِعت شروطاً، من توفرت فيه أُسقِطت عنه الجزية، كالختان وإقامة الفرائض وحسن الإسلام وقراءة سورة من القرآن الكريم، وقد أسلم الناس حقاً وحسن إسلامهم وبنوا المساجد، ولما وجد هؤلاء الأمراء والقادة الذين لا يهم بعضهم من عملهم سوى إرضاء أولياء نعمتهم بالدنيا، أن الأموال التي كانوا يحصلون عليها قد قلَّت فقد قرروا أن تعاد الجزية على من أسلم وإن حسُن إسلامه، فسلبوهم ما يملكون من قليل أو كثير، فافتقروا وكانوا يرجون في الإسلام الغنى، فعادوا إلى الكفر واستجاشوا الترك للثورة فكانت نتائجها معارك ودماء وعداء للعرب والإسلام معاً.(39) وبعد عقد من الزمن أي في عام 120ه تولى يوسف بن عمر الثقفي أمر العراق فتولى نصر بن سيار تحت إمرته خراسان، وذهب عام 121ه إلى نفس المنطقة فوجد فيها ثلاثين ألف مسلم يعطون الجزية وثمانين ألف مشرك أُسقطت عنهم الجزية، فأعفى المسلمين من أدائها وفرضها على المشركين، لكن هذا لم يدم طويلا فقد رفضه يوسف بن عمر الثقفي وأعاده على المسلمين، وقد كان الحجَّاج بن يوسف الثقفي أول من فرض هذا العرف المخالف للشريعة. ولعل حرمان الجند من الموالي من العطاء أسوة بالجند العرب المشاركين بالجهاد قد أضاف مشكلة أخرى، يضاف إلى كل ذلك أن الخلفاء الأمويين باستثناء عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قد أبعدوا العلماء والفقهاء عن شؤون الدولة وأداروها بالسياسة التي كانت عدتها القادة العسكريين في الغالب. ولعل الحادثة الآتية تشير بوضوح إلى الطريقة التي استغلت بها رؤوس الأفعى ظلم وعُسف بعض العمال والولاة في الدولة الأموية ليشوهوا صورة العربي ويفقدوا العباسيين الثقة بهم عموما كي يتوجهوا لغير العرب في تولي أمورهم، فقد ورد في الموفقيات للزبير بن بكار في حديث عن معن بن زائدة يقول: " كنا في مجلس ننتظر الإذن فيه على المنصور، فتذاكرنا الحجَّاج فمنا من حمده، ومنا من ذمه، فكان ممن حمده معن بن زائدة وممن ذمه الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليهم السلام، وأذن لنا فدخلنا على أبي جعفر، فابتدأ الحسن بن زيد فقال: يا أمير المؤمنين، ما كنت أحسبني أبقى حتى يُذكر الحجاج في دارك وعلى بساطك، فيُثنى عليه، فقال أبو جعفر، وما تُنكِر من ذلك؟ رجلٌ استكفاه قومه فكفاهم، والله وددت أني وجدت مثل الحجاج حتى أستكفيه أمري، وأنزل الحرمين حتى يأتيني أجلي، قال: فقال له معن بن زائدة: يا أمير المؤمنين، إن لك مثل الحجاج عددا من أصحابك، لو استكفيتهم كفوك، قال: ومن هم؟ كأنك تريد نفسك؟ قال: وإن أردتها فمه؟ قال: كلا لست هناك، إن الحجاج ائتمنه القوم فأدى إليهم الأمانة، وائتمناك فخنتنا".(40) ومع بداية العصر العباسي تغيرت الأحوال كليا، فقد تراجعت حركات الخوارج واضمحل دورهم في بلاد فارس التي كانت تموج بفتنهم من كل حدب وصوب طيلة العهد الأموي فاستنزفت من المجاهدين جل وقتهم وقوتهم والكثير من أرواحهم، وأفرزت متطلبات مواجهتهم الكثير من أهل الدنيا وعشاقها. وبدأت مرحلة جديدة اتسمت بدعوتين متلازمتين في بلاد فارس، هما التشيع والتخلص من حكم العرب، إن لم تكن في حقيقتها دعوة واحدة اتخذت من التشيع سبيلا وستارا. ولعل أفضل من أفصح عن هذه الحقيقة وحقيقة الفرس هو عمار بن يزيد ( خداش ) ففي عام 118ه كان واليا على شيعة بني العباس في خراسان، أرسله بكير بن ماهان إليها، وبعد أن تجمع حوله الأتباع وكثرت أعدادهم بدعوى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أظهر حقيقته الخرمية التي هي مزيج من اليهودية والمسيحية والمجوسية، فهي تؤمن بالتناسخ والحلول والإباحة كما في المزدكية، فجعل الشراكة في النساء، واتخذ لكل ظاهر باطناً، ذلك الذي اتسم به التشيع فيما بعد، فقال إن الصلاة إنما هي الدعاء فلا صلاة، والصوم هو الصيام عن البوح باسم الإمام وكشف سره فلا صيام، والحج هو قصد الإمام فلا حج لبيت الله الحرام، كما جاهر وأوجب سبّ الخلفاء الراشدين. ولو عدنا إلى خلفية هذا الرجل لوجدناه " نصرانيا بالكوفة فأسلم ولحق بخراسان".(41) في فتنة الأمين والمأمون كان الفعل فيها والأثر فارسيا، فوزير المأمون " وصاحب رأيه كان فارسي الأصل، وهو الفضل بن سهل... وهذا الرجل كان منذ البداية كارها للعرب، وراغبا في نزع الخلافة من الأمين العربي وجعلها في المأمون الذي كان يراه فارسيا أو نصف فارسي، فان أمه مراجل الفارسية، وكان يصفه بأنه ابن أختهم، أما الأمين فكان عربيا هاشميا صرفا، فان أباه هارون الرشيد وأمه زبيدة بنت جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور فهو هاشمي من الأب والأم"(42) وكان يعاون الفضل بن سهل فارسي آخر هو طاهر بن الحسين بن مصعب. ولم يمض وقت طويل حتى تحقق الهدف، ففي عام 205ه أُجْبِر المأمون على تعيين الفارسي الشعوبي طاهر بن الحسين والياً على خراسان، وبذلك فقد كانت عودة الحكم الفارسي وتأثيره المباشر على مقر الخلافة ومصدر قرارها حتى عام 260ه- 873م،وقد رافق الطاهريين الصفاريون في سيستان من عام 247ه - 861م حتى 287ه - 900م، والسامانيون من عام 288ه - 900م حتى 390ه - 999م. ومنذ ذلك التاريخ عادت الثقافة الفارسية للسيطرة والإزاحة التدريجية لقيم الإسلام والعرب، أو مزجها مزجاً مشوهاً، وعادت تبعاً لذلك اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية لبلاد فارس. وقد سبق أن اعتمد الخلفاء الراشدون والأمويون ولاة عرب يعيِّنهم أمراء البصرة أو الكوفة " لكن في عهد بني العباس اختلف الأمر فقد كان يؤمر الحكام في دار خلافتهم مباشرة، وكان العنصر الإيراني غالباً فيهم كما ظهر حينما ولي أبو مسلم الخراساني وقتا في عهد السفاح والمنصور والفضل البرمكي في عهد هارون الرشيد وطاهر ذو اليمينين والحسن بن سهل السرخسي في عهد المأمون وقد حكم بعضهم جميع إيران والبعض الآخر أجزاء هامة منها. ولما كان هؤلاء – خلافا لحكام إيران قبل بني العباس – جميعا إيرانيين فقد كانوا يجمعون الإيرانيين حولهم وينيبون إليهم الأعمال الإدارية وصالح البلاد والحكم ويحيا كل منهم في بلاط يقام فيه كثير من الآداب الإيرانية القديمة مقلدين بذلك المرازبة وقادة الجيوش في العصر الساساني... والحق انه باستثناء الدين الإسلامي واللغة العربية في بلاط العباسيين وحكامهم فإن كل شيء بعد ذلك كان تقاليد الإيرانيين قبل الإسلام ومراسمهم وتشكلاتهم الحربية والحكومية والحضارية فبقيت روح القومية الإيرانية فيهم أكثر حياة وأعظم قوة وكان كلما سنحت فرصة لهؤلاء السكان الغيورين الذين لم يفرحوا بسيطرة العرب ولا بحكامهم الجائرين كانوا يثورون عليهم ويجلّون بقاء الوجود والقومية الإيرانيين"(43) وهذه شهادة من فارسي لا تخلو كتاباته من شعوبية واضحة وصريحة يؤكد فيها كل ما قلناه. وقد تحققت بعض نواياهم في عهد الخليفة العباسي المأمون فنالوا استقلالهم وعادوا إلى حيث كانوا قبل الإسلام عن طريق أسر عديدة تصدت للمهمة وحملت رأس الأفعى المجوسي منها الأسرة الطاهرية والتي وجدت في التشيع - وفقاً للصياغة التي صاغتها رؤوس الأفعى وأقلمتها مع الواقع الفارسي العنصري - ضالتها كوسيلة لخلاف الدولة العربية الإسلامية والخروج عليها وتبرير العداء لها. وهذا الثمن الذي جناه طاهر بن الحسين - الذي يدَّعي انه من نسل رستم بطل الشاهنامة الفارسية – كان جراء قيامه بنحر الخليفة محمد الأمين لكونه كان رئيسا لشرطة المأمون، والذين كانوا جميعاً من الفرس، فكان الكرسي الذي التاعت له نفس المأمون بفعل دسائس الفرس ومكرهم ملطخاً بدماء أخيه الأمين هو المقابل الذي استحق به الفرس استعادة إمبراطوريتهم بشكل من الأشكال، وما كان الفرس جناة على المأمون فهم أطمعوه بكرسي أخيه وهم طمعوا بكرسي إرثهم الفارسي المجوسي الذي دمره العرب بالإسلام، لكن الأمر ما كان ليتحقق لولا استجابة المأمون لما أرادوا. ولم يكن طاهر بن الحسين مبتدعاً في ذلك، بل كان مواصلاً لمسيرة سلفه، فقد كان جده مصعب بن زريق يعمل فيما سبق ضمن تشكيلات أبو مسلم الخراساني الذي أراد تحقيق ما لم يستطع تحقيقه حتى جاء الأتباع فأنجزوا المهمة، ومصداق مسعى طاهر هذا أنه أعلن استقلال بلاد فارس عن الدولة العربية الإسلامية وقطع الخطبة للخليفة المأمون والدعاء له رغم أنه هو الذي حقق له مبتغاه. لكن الذي يصعب تصديقه أن المأمون كان يتخذ من عبد الله بن طاهر واليا على الشام مرة وأخرى على مصر رغم إعلان أبيه التمرد والانفصال. ولم تكن ادعاءات الفرس بتوليهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلا من باب التستر على نواياهم الحقيقية المتمثلة بعداء العرب والإسلام الذي توحدوا به فأزالوا إمبراطورية أسلافهم الساسانية، فقد كان محمد بن أوس البلخي مساعد سليمان بن عبد الله بن طاهر وهما من الشيعة يأخذ من أهالي قريتين " كان يحكمهما الخراج ثلاث مرات كل سنة، مرة له وثانية لأحمد ابنه وثالثة لمساعديه المجوس"(44). وهذه الشهادة الصادرة عن فارسي شيعي شعوبي تؤكد بما لا يقبل الشك أن عتاة الفرس رفضوا التخلي عن مجوسيتهم، لكنهم ما كان بمقدورهم المجاهرة بذلك، فعملوا على تلطيف المجوسية ببعض المفردات الإسلامية وأطلقوا عليها اسم التشيع. ودليل آخر على استغلال الفرس لآل البيت كذريعة أن الطاهريين الذين رفعوا شعار نُصرة آل البيت واستعادة حقهم هم نفسهم جيشوا جيوشهم وحاربوا الحسن بن زيد وهو من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم حينما استفحلت دعوته في إيران. فقد شهدت الفترة بين عام 304ه وعام 316ه استغلالاً بشعاً ومكشوفاً لأشخاص ينتمون أو يدعون الانتماء للحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب عليهم السلام في مسيرة استحواذهم على تحرير كيانهم القومي وإخراجه من دولة الخلافة الإسلامية، فأشعلوا بين الحسن بن القاسم وهو من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب وبين أبناء عمومته من ذرية الحسين بن علي حروبا طويلة ومكائد نصبها كل واحد منهما للآخر في سبيل نوايا الفرس، وكان من بين من استغلهم لتحقيق مآربه المجوسية الفارسية علي بن بويه الذي لُقِّبَ فيما بعد بعماد الدولة وأسس دولة فارسية خالصة من الإسلام، ولم يولِّ علويا في ملكة قط، رغم انه حقق مبتغاه بدعوى نصرتهم واستعادة حقهم، فمن عام 316ه حيث قُتل الداعي الصغير (العلوي) حتى"عهد تسلط الديالمة الكامل على طبرستان كان عدد من العلويين بطبرستان وجيلان مجرد آلات بيد الأعداء السابقين لكن لم يك لأحدهم السيادة الفعلية"(45). أما الديالمة الفرس الذين ادعوا أيضا أنهم أتباع لآل البيت فهم كغيرهم من الفرس كان بينهم وبين الإسلام حاجزا عظيما "وسبب الطبيعة الجبلية لمساكن الديلم وصعوبة السيطرة عليها فقد عاش الديلم مستقلين دائما وكان لهم آداب وحياة خاصة بهم قل أن وقعت تحت تأثير من الخارج ولم تنفتح مساكن الديالمة أمام المسلمين مع شدة حروبهم لهم ولم تستسلم لهم هذه الجماعة فبقوا على مذهبهم القديم وآدابهم المتوارثة"(46) أما اسفار بن شيرويه فقد كان احد أهم أتباع وقادة العلويين خلال الفترة بين عامي 304و316ه " بدأ أمره بحياته في خدمة علويي طبرستان...ثم تحول عنهم في النهاية ولحق بالأمير نصر الساماني وعماله في خراسان، وقتل بعون منهم الداعي الصغير في 316ه وجعل ماكان بن ماكي يتوارى، ونتيجة لهذا استولى على جرجان وطبرستان وقزوين والري وقم وكاشان ولرستان، وبعد أن حاز أسفار هذه القوة ثار على الخليفة والأمير نصر. وكان الأمير نصر عازما على ضربه لكن الأمر انتهى بالصلح وقبول أسفار أن يدفع خراجا سنويا وان يحكم المناطق التي استولى عليها، لكن الرجل، ولم يكن قد أسلم واستمر على دين آبائه، ولم يحسن معاملة رعيته المسلمين" (47) فياللعجب من شخص يستهلك شطراً من حياته ينصر آل البيت وهو لم يُسْلِم بعد!! وهذا دليل آخر على أن التشيع الفارسي ليس إلا قناعاً للمجوسية. ولم يكن أسفار بن شيرويه يدعى الولاء لآل البيت وهو على مجوسيته فحسب بل كان أحد أتباعه وهو مرداويج كذلك, فقد بدأ عام 316ه بالسعي للسيطرة على بلاد فارس وتمكن من ذلك في عام 320ه حيث احتل إقليم الأحواز العربي وضمه إلى مملكته الفارسية، ثم قايض الخليفة العباسي المقتدر على مائتي ألف دينار كخراج سنوي"ولم يكن مرداويج مثله مثل أخيه وشكمير وسيده الأول أسفار بن شيرويه، في الأصل مسلما، أو قبل الإسلام في الظاهر لكنه كان متعلق في الباطن بالآداب الإيرانية القديمة ومراسيم المذهب الزرادشتي، لهذا كان شديد الكره للخليفة العباسي وولاته العرب وكان يهدف إلى إحياء دولة الساسانيين الخالية وتخريب بغداد وتعمير المدائن"(48) ولهذا فقد كان يضع على رأسه تاجا مرصعا كعادة ملوك الفرس انو شروان وغيره وكان يجلس على عرش من الذهب، ويقيم الاحتفالات بمناسبة الأعياد القومية الإيرانية "في شتاء عام 323ه حينما كان في أصفهان أمر في ليلة عيد النور أن يجمع وقود كثير وأسباب الإضاءة وإشعال النيران على شاطئ نهر زاينده"(49) وهو عيد مجوسي مشهور يحتفل به الفرس حتى يومنا هذا بإصرار عجيب. أما البويهيون الذين ادعوا أنهم من نسب يزدجرد الثالث الساساني أخر ملوك الفرس وتظاهروا بأنهم من دعاة العلويين والمتشيعين لهم وتحالفوا في سبيل إخراج بلادهم من حكم الدولة العربية الإسلامية مع مرداويج حتى عام 323ه حيث تمكنوا من السيطرة على اغلب بلاد فارس، أما مقر الخلافة فقد كان وزرائهم من غلمان الترك وحلفاءهم آل حمدان والذين تذرعوا بذات الذريعة التي توسلوا هم بها يتحكمون في مصير الخلافة، ينصبون هذا ويعزلون ذاك، يقتلون هذا ويحبسون ذاك. ففي عام 295ه نصبوا المقتدر بالله بن المعتضد خليفة للمسلمين، وكان عمره ثلاثة عشر عاما وفي عام 296ه عزلوا المقتدر ونصبوا المرتضي بالله بن الخليفة المعتز، ثم ما لبثوا أن خلعوه بعد يوم واحد وقتلوه وأعادوا المقتدر مرة أخرى. وفي عام 321ه قام الوزير ابن مقلة وهو فارسي كذلك بعزل الخليفة القاهر بالله وعين بدلا عنه ابن المقتدر الراضي بالله. فكانت نتائج هذا التآمر وهذه المكائد المتواصلة قد أفسدت الرعية وأوصلت بغداد عاصمة الخلافة إلى حافة الانهيار، اجتمع على الكيد بها غلمان الترك إلى الفرس المجوس يؤازرهم من ركب موجات غدرهم وحربهم على العرب، فبنو حمدان التغالبة كانوا في النهار مع الخلافة وفي ظلام الليل يتقلبون بين الفرس والترك والفاطميين، ولو ألقينا نظرة على واقع بغداد عام 332ه لتجمعت لدينا مكونات الصورة البشعة والمهينة لذلك الواقع المرير، فقد تفشت فيها السرقة وتعددت لأجل ذلك العصابات وتنوعت أساليبها ووسائلها حتى غطت ساعات النهار والليل، وكان من بين تلك العصابات عصابة ابن حمدي التي تحارس الناس منها بالبوقات "وعظم أمر ابن حمدي، فأعجز وأَمَّنه ابن شيرزاد وخلع عليه وشَرَطَ معه أن يوصله كل شهر خمسة عشر ألف دينار مما يسرقه هو وأصحابه"(50) مع إن أبو جعفر بن شيرزاد هذا كان قبل ذلك وزيرا، فأي انحطاط هذا الذي جعل من بيده السلطة ومقادير الأمور يقتسم مع اللصوص سرقاتهم وهو المسؤول عن أمن الرعية، خاصة وان هذا كان يحدث وبغداد تعيش أسوأ أحوالها من ضنك العيش وشدَّة الفاقة. أما الدوافع لفرض ذلك الواقع المزري على بغداد فإننا سنعرفه من نتائج أحداث عام 334ه حيث تمكن البويهيون الفرس من الاستيلاء على بغداد وخلع الخليفة المستكفي بعد أن سملوا عينيه ونصبوا بدلا عنه المطيع، ومع إنهم كانوا يتوسلون لتحقيق نواياهم بالتشيع لآل بيت النبي فإنهم لم يولوا أحداً من العلويين خلافة ولا إمارة أو حتى شأناً من شؤونها رغم غلوهم في ذلك التشيع، فمن اجل ماذا إذن كانوا يستغلون التشيع؟ لتدمير بغداد وإنهاء الدولة العربية الإسلامية، ذلك هو الجواب الحق، فقد جرد البويهيون المجوس المتسترين بالتشيع سواعدهم للنهب والسلب والإفساد حتى خربت بغداد وعم الفساد واشتد فيها البلاء والغلاء" حتى أكل الناس الميتة والكلاب والسنانير، واخذ بعضهم ومعه صبي قد شواه ليأكله، وأكل الناس خروب الشوك، فأكثروا منه، وكانوا يسلقون حبه، ويأكلونه، فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم، وكثر فيهم الموت حتى عجز الناس عن دفن الموتى، فكانت الكلاب تأكل لحومهم، وبيعت الدور والعقار بالخبز"(51) هذه الأعمال لا شك كانت تمهيدا للسيطرة على عاصمة الخلافة، وقد تحقق لهم ذلك عام 334ه، لكنهم لم يولوا علويا أو شيعيا عليهم ولو من باب التغطية، أما آل حمدان فان تحالفهم مع هذه التيارات الشعوبية رغم عروبتهم يتجلى في أنهم انضموا عام 394ه بقيادة سيف الدولة الحمداني إلى الدولة الفاطمية حتى عام 414ه. ويعزز ذلك لجوء عضد الدولة البويهي إلى آل حمدان عام 367ه حين اختلف مع ابن عمه عز الدولة البويهي. لقد كان معز الدولة البويهي يأمر بنشر التشيع في بغداد والعراق حتى إن احد أمراءه الفرس أمر في عام 351ه أن يُكتب على أبواب مساجد بغداد لعن معاوية بن أبي سفيان وغاصبي حق آل علي بن أبي طالب، وأوجد مراسم التعزية بشهداء كربلاء في العاشر من محرم. لكنه مقابل ذلك لم يُسَلِّم الخلافة لأحدٍ من أصحاب الحق الذين ثار باسمهم، بل ولم يقرِّب أحداً منهم طيلة احتلاله لبغداد الذي دام حتى عام 447ه، لكنه فعل كل ما يسوء آل بيت النبي فقد أضفى على التشيع كثيرا من موروث المجوس واليهود والنصارى، أو هو في الحقيقة قد كشف عنه وجاهر به. أما عضد الدولة فقد كان أول من نقل ثقافة الفرس وغيرهم إلى ديار العرب والإسلام في مجال البناء على المشاهد والقبور، ولهذا وضع لنفسه مكانا بجوار علي بن أبي طالب عليه السلام بعد أن بنى على قبره القباب والأبنية وقد دُفِن فيه عام 372ه ليتخذ منها الرعاع أوثاناً تُعبد. ويفصح الفرس عن شعوبيتهم رغم تسترهم بالتشيع ضد كل من يقف بوجه استعادة الإمبراطورية الفارسية وإن كان فارسيا، فهذا مؤسس الدولة السامانية إسماعيل بن احمد 279-295ه يزكيه المؤرخ الفارسي أيما تزكية فيقول:" كان إسماعيل فوق شجاعته وهمته وفتوته رجلا كثير الورع والخشية من الله تعالى ديِّنا، وكان جنده يشغلون أنفسهم بالدعاء والصلاة والعبادة ليلهم ونهارهم. أما هو فقد سعى إلى أن تتسم حروبه كلها بسمة الجهاد والغزو في سبيل الله"(52) لكنه لعدم سعيه للتحرر من التبعية للدولة العربية الإسلامية والخلافة العباسية يقول عنه "ومع إن إسماعيل كان رجلا بلا شائبة وامرءاً ديناً يحترم علماء الدين ويجلهم إجلالا لكنه بسب تعصبه الشديد للمذهب السني كان في الحقيقة تابعا صميما وخاضعا مطيعا للخلفاء العباسيين، ولهذا فلم يكن له ولأخلافه إحساس حب إيران والاستقلال قط كما كان عند الصفاريين والديالمه"(53) وهذه شهادة صادقة أفصحت عن كل مكنونات الفرس وعبرت بدقة عن غاياتهم الحقيقية من ادعاء التشيع. مع إن هؤلاء الصفاريون والديالمة الفرس ما كانوا يسعون لإنصاف آل عليّ واستعادة حقهم إنما اتخذوا منهم وسيلة لتحقيق أهدافهم القومية، فأحمد بن سهل المتوفى سنة 307ه ثار باسم التشيع لكنه في الحقيقة كانت مراميه غير ذلك، كما يصفه الفرس أنفسهم: " إذ أنس احمد في نفسه ادعاء الإمارة والاستقلال وكان فاضلا أريبا أصيلا في نفسه وابنا للعظام. خاصة وإنه كان يضمر حقداً خاصاً للعرب لقتل عمالهم إخوته الثلاثة وكانوا جميعا منجمين وكتابا، وكان دائما يسعى لتجديد أساس الدولة الإيرانية وكلما سنحت له الفرصة كان يثور على العمال والأمراء الطائعين لأمر خليفة بغداد"(54) وقد لا يكون تبني الفرس لمذهب معين والذهاب به بعيداً عن حقيقته الأصلية وبعيداً حتى عن الإسلام كما فعلوا مع التشيع الذي استغلوه أبشع استغلال، سلوكاً جديداً، بل كانت لهم خبرات سابقة وخلفية رصينة، فقد مارسوا قبل الإسلام على ديانتهم الزرادشتية هذه الأفعال، حين اشتقوا منها عدة أديان مولدة مثل المانوية والمزدكية وجعلوا منها أديانا مختلفة ومغايرة عن الديانة المولدة عنها. وقد كان من إفرازات نصير المغول ( نصير الدين الطوسي) وسندهم ودليلهم على خراب ديار العرب المسلمين تلميذه جمال الدين الحسين بن مطهر الحلي، أحد أبرز أئمة التشيع الفارسي ومصادره، والذي قام بدوره مع أتباعه بتحويل السلطان محمد خدابندة الالخاني إلى مذهبهم عام 709ه بعد أن كان نصرانيا على دين أمه. وقد رافقه المطهر الحلي وأقام في معسكره أينما حل وجمع له المتشيعين من كل مكان، ثم دفعوا به نتيجة أحقادهم على العرب المسلمين إلى التوجه إلى ملوك الصليبيين طالبا منهم التحالف معه في سبيل القضاء على حكم المماليك المسلمين في بلاد الشام ومصر، فكتب رسائل إلى البابا كليمنت الخامس وملوك فرنسا وبريطانيا بهذا الشأن " وكان له علاقات مع البابا وسلاطين أوربا المسيحيين والروم الشرقية وأرسل عنه مبعوثين لفرنسا وانكلترا وايطاليا ولعله كان يهدف من وراء ذلك إلى تجميع حلفاء له لمهاجمة الشام ومصر وكان بعض المسيحيين في جزيرة قبرص وارمنية يحرضونه على هذا الهجوم"(55) لكن هذا السلطان تراجع في أيامه الأخيرة عن التشيع فتحول في نظر الفرس من سلطان عادل وبطل قومي إلى رجل " يفرط في الشراب والشهوة"(56) فأي تشيع هذا الذي يفرط قادته بالشرب والشهوة؟مع إنه اتخذ هو وأخوه محمود غازان من قبله القباب على القبور وهي البدعة التي أُلصقت بالتشيع حتى يومنا وصارت عمودا من أعمدة دينهم. وهذا ديدن الفرس في كل مراحل زمنهم، تتبدل صفات الأشخاص وتتغير تبعاً لقربهم من مصالحهم أو بعدهم عنها، فانظر كيف يتحدثون عن خليفة المسلمين، وكيف ينبز من بين حروف كلماتهم فحيح الشعوبية والحقد الأسود، فعن أخر خلفاء بني العباس المستعصم بالله يقول قائلهم: "كان دينا خيراً هادئ الطبع عفيفاً طيب السيرة محباً للعلم حسن الخط لكنه خائر العزم واهن الرأي يجهل أمور السياسة والإدارة يمضي وقته في سماع الأغاني والمطربات والملهين أو في مكتبته الخاصة دونما الاستفادة الحقة، ومع إن المغول كانوا على أبواب بغداد فقد كان يراسل سلاطين الأطراف يطلب منهم المغنين والمطربين بدلاً من أن يتدبر أمره إزاءهم وكان يأمن الوضعاء في أعظم مناصب بلاطه وديوانه ورئاسته وحكومته، وكان رجال بلاطه قاطبة من الأراذل ومستولين تماما عليه كامل الاستيلاء، بغير كفاءة ضعافا مغرضين حاشا وزيره مؤيد الدين محمد بن العلقمي"(57) فكيف لعاقل أن يوائم بين تلك الصفات وهذه المثالب التي سطرها هذا المؤرخ الشعوبي؟ بل كيف ينسى وهو قد قرأ تواً ما سطرته يداه من مؤامرات وتحالفات وأكاذيب واستجلاب العداء في سبيل تقويض دولة الخلافة، و كيف سيصدق أن هؤلاء الرجال الجاثمين على صدر الخلافة من الأراذل والمغتصبين لمصدر القرار بغير كفاءة هم ليسوا من ثمار استيلاء الفرس والترك على بغداد وتهميش الخليفة ومنعه عن أداء دوره، وقد شهد التاريخ كم خليفة من بني العباس خلعوا وكم منهم قتلوا أو سجنوا أو سملوا. وإن مرَّ كل هذا فلن يمرّ على أحد المديح الذي كاله هذا المؤرخ الشعوبي الحاقد باسم الإسلام والتشيع لمهندس الغزو المغولي وسبب نجاحه الأول والمباشر بالتعاون مع الشيعي الفارسي الأخر نصير الدين الطوسي الذي أشار على هولاكو بتعجيل الزحف نحو بغداد بعد قراءته للطالع فقد كان منجما، وهو بالمناسبة نصير للدين، لكن أي دين؟ انه دين أبائه وأجداده المجوس وليس الإسلام. فذلك هو ابن العلقمي الذي ركب التشيع مطية في سبيل قوميته الفارسية وكاد باسمه وهو في حقيقته عدو لآل بيت النبي ودينهم وأصلهم ونسبهم، حتى تكلل غدره بفناء الدولة العربية الإسلامية واستعاد بعد ذلك تاج الفرس المجوسي كاملاً غير منقوص،والذي كان ثمنه أرواح الملايين من المسلمين شيعة وسنة، فأي حاشية يتكلم عنها هذا المؤرخ الشعوبي وهي ليست إلا حاشية الوزير ابن العلقمي الذين مهدوا الطريق سالكا للمغول بعد أن أضعفوا قوة الدولة بقلاقل الفرس طيلة خمسة قرون متواصلة وبعد أن نقلوا وباءهم إلى عاصمة الخلافة بغداد ففرقوا أهلها بالنزاعات المذهبية التي أوجدوها وأججوها بين أهل بغداد حتى احتدم الصراع بين الناس باسم التشيع مرات، تلك الحقيقة التي ترسخت في واقع بغداد بفعل الاحتلال البويهي والسلجوقي وما تلاهما، العلقمي الذي سرح جيش الخلافة تمهيدا للغزو. والأصعب من كل ما فات أن الفرس أرادوا إظهار ابن العلقمي والطوسي ومن كان على شاكلتهم على أنهم ما استجلبوا المغول إلا لإنصاف الشيعة، وأنسوا أنفسهم أن هولاكو حينما دخل بغداد عام 656ه لم يبق فيها سنيا ولا شيعيا إلا قتله، وهدم مرقد الإمام موسى الكاظم بعد أن سلبه، ثم اتخذ من الطوسي مستشارا ومن ابن العلقمي وزيرا، فلم تكن الشيعة إلا وقوداً للنار المجوسية وقرباناً أُريق دمه على أعتاب الكسروية. ها قد توضحت صورة الأفعى وتشكلت قسمات رؤوسها، ببروز أثر الحلف الصليبي مع دعاة التشيع على يد خدابندة والمطهر الحلي الذي أنجزه المغول، فهذا الحلف هو الذي دفع السلطان المغولي منكو لإرسال هولاكو على رأس الجيوش التي اجتاحت مقر الخلافة للتوجه بعدها إلى الشام دعماً للغزو الصليبي الذي كان القائد صلاح الدين الأيوبي قد حقق عليهم انتصارات باهرة، فقد كان السلطان قوبيلاي واقعاً تحت تأثير النصارى من جانب والفرس من جانب آخر. حيث تعززت العلاقات بين المغول والصليبيين ليتزوج أباقا خان بن هولاكو من ابنة أحد أباطرة الروم الشرقيين، وبفضل ذلك تمكن من تجنيد الكثير من النصارى الشرقيين في جيشه لقتال المسلمين في الشام ومصر دعما للغزو الصليبي. وقد سبق للفرس أن أجهدوا أنفسهم للتوغل في بلاد الشام بالتعاون مع الفاطميين تمهيدا لإسناد الصليبيين في غزوهم لبلاد العرب، تبين ذلك من خلال ارتباط الحروب الصليبية على غير العادة بظاهرة خطيرة جدا في الواقع العربي، تلك هي ظاهرة بروز الصراعات المذهبية والعقائدية والعصبية العنصرية وبخاصة في بلاد الشام لكونها مسرح العمليات الحربية والهدف المباشر للغزو الصليبي " فمن الناحية العقائدية بلغت الخلافات المذهبية في بلاد الشام في عصر الحروب الصليبية درجة من التناقض سبب شرخاً عميقاً بل شروخاً متشعبة في المجتمع الإسلامي"(58) فقد اندفع المتشيعون(النصيرية) والكسروانيون منهم تحديدا إلى الوقوف مرارا إلى جانب الصليبيين في حروبهم، فخلال حصار السلطان قلاون لطرابلس عام 1289م توجه هؤلاء للوقوف مع أمير طرابلس بوهيموند الصليبي. وكذلك فعلت العشائر التنوخية بعد اعتناقها للدرزية. وقبل هذا نهض الخليفة العباسي المسترشد 1118-1135م، 512-529ه يريد مقارعة الصليبيين بعد أن أوهنه السلاجقة عن القيام بواجبه، لكن غلاة التشيع ( الباطنية) كانوا اسبق فاغتالوه. أما المغول فقد امتدت علاقاتهم بالفرس إلى أبعد مما فعله الصليبيون، ففي عهد قوبيلاي كان الفرس جزءا هاما في كيان دولته"وظهور نفوذ الإيرانيين في بلاطه انتشار اللغة الفارسية بالصين، فقد استدعى هذا الخان حينما كان يريد فتح البلاد الحاكمة في الصين الجنوبية أشهر المهندسين في إيران والشام لصنع المنجنيقات والعرادات الحربية، وكان يصاحبه دائما في معسكره وبلاطه عدد من إيرانيي ما وراء النهر وخراسان، وكان بعض هذه الجماعات ممن نقلهم المغول من ما وراء النهر وإيران حينما كانوا يفتحون بلادها لأنهم أصحاب حرفة وصناعة إلى بلاد المغول، وقد بلغ عدد هؤلاء الناس مبلغا عظيما إلى درجة أنهم شيدوا في بعض البلاد مدنا جديدة لهم على شكل أوطانهم الأولى. وكان بين أمراء قوبيلاي وعماله الإداريين في الصين عدة من الإيرانيين وقد عظم نفوذهم إذ استوزرت أسرته بعد محمود يلواج احدهم لقب بالسيد الأجل وظل وزيرا مدة خمسة وعشرين عاما658-683ه"(59) وكان اوكتاي قد اتخذ قبل ذلك أي في عام 633ه من بهاء الدين الجويني صاحبا للديوان على جميع البلاد الخاضعة للمغول، وكان الأمراء المغول ينيبونه على الحكم عند السفر، ثم جاء من بعده علاء الدين بن بهاء الدين الجويني الذي حكم بغداد لمدة أربعة وعشرين عاما للمغول، وكان قد ألف كتابا عن تاريخ المغول أسماه(تاريخ جهانكشا) عام 658ه وأكمل نهايته نصير الدين الطوسي حول سقوط بغداد بيد المغول. وكان الفرس يتشوقون إلى أي وسيلة لإسقاط الدولة العباسية، وكان الشيعة اسبق الفرس لدعم المغول وإغرائهم باجتياح مقر الخلافة، فقد سبقت الإسماعيلية وهي إحدى فرق الشيعة كل الإيرانيين في طاعة المغول وتوليهم " قبل الإسماعيلية في عهد جنكيز طاعة المغول وكان جلال الدين حسين إمامهم أسبق إلى ذلك من كافة أمراء إيران. وكانوا أسباب تقدم أمر المغول بطريق غير مباشر في عهد جلال الدين المنكبرني"(60) والغريب أن هؤلاء المتشيعين والمعتقدين في ظاهرهم بولاية آل بيت النبي الأطهار كانوا يوصفون من قبل مؤيديهم ومؤرخيهم لهم بالملاحدة " في 653ه أصاب ركن الدين خورشاه عن طريق أحد الحجّاب والده خداوند علاء الدين محمد (618-653ه)إمام إسماعيلية إيران الذي كان يصرف غالب أيامه في الفسق والخمر وكان خلوا من كل كفاية وعقل أصابه بالمقتل واستقر في منصبه وغدا الإمام العام لملاحدة إيران والشام"(61) ومع أن احد جناحي المكر الذي أُسقطت به بغداد نصير الدين الطوسي وكان شيعيا إسماعيليا ومن أتباع علاء الدين الذي قال فيه مؤرخهم عباس اشتياني أنه ملحد، وتلقى العلم على يديه، يقول عنه الخميني " ويشعر الناس بالخسارة أيضا بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأمثاله ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام"(62) مع إنه لا يتعدى أن يكون جاسوساً ماكراً سعى بكل الوسائل والسبل ليطيح المغول بالإسلام، أما ناصر الدين محتشم الشيعة في قهستان والذي ألف باسمه نصير الدين الطوسي كتابه "أخلاق ناصري" عام 633ه في الأخلاق النظرية التي جاء بها فلاسفة اليونان فقد أعطى بيده لهولاكو هو الأخر فبعثه حاكما على إحدى المدن، والطوسي هذا يحق للخميني أن يأسف على فقدانه فقد كان من المجددين للفكر الشيعي الفارسي بعد أن استقى من الفلسفة اليونانية والثقافة الغربية والديانة المسيحية كل ما يمكن أن يسعف الإرث المجوسي واليهودي. في عام 654ه افتتح هولاكو حصون الإسماعيلية ولما أراد إحراق مكتبة الحسن بن الصباح مرجعهم طلب منه علاء الدين الجويني عدم إحراقها بحجة اختيار المفيد منها ففعل، لكنه حينما دخل بغداد لم يفعل مثل ذلك بل أتى على كل أخضر ويابس فيها. أما الفارسي ابن العلقمي فلم يكن أقل أثرا من الطوسي، فحين أراد هولاكو فتح قلعة الموت وهي من حصون الشيعة الإسماعيلية أرسل الخليفة العباسي المستعصم بالله يستمده بجيش يسانده في فتح بلاد الإسماعيلية، ولما استشار الخليفة مساعديه وكان أبرزهم وصاحب القرار والحيلة والمكر فيهم وزيره ابن العلقمي الفارسي مدعي التشيع فقد أثناه عن تلبية الطلب بحجة أن هولاكو يبغي من ذلك أن تفرغ بغداد من الجيش كي يغزوها، وهو يضمر في داخله تحقيق هدفين في آن معا، أولهما: منع الخليفة من تجنب غزو المغول كما أعد هو والطوسي ومن يحركهما وأتباعهما وخططوا لبغداد وإسقاط الخلافة نهائيا، وثانيهما: منع تقوية هولاكو على فصيل من فصائل حزبهم الذي اتسعت وتوسعت أطرافه، وبذلك تحقق لهم ما أرادوا فسقطت الخلافة. وكان هولاكو في زحفه على بغداد قد استصحب معه قادة الشيعة وأمرائها وأئمتها في رفقته ومنهم نصير الدين الطوسي وعلاء الدين(عطا ملك)الجويني الذي عمل وآباءه في خدمة المغول من قبل عشرات السنين. ولم يكن المتشيعين ليكتفوا باحتلال عاصمة الخلافة فحسب، بل كان تخطيطهم أكثر عمقا وأشدّ خطرا وأبعد أثرا، فقد أثنى ابن العلقمي الخليفة العباسي عن الهرب وأقنعه بأن يستصحب معه أولاده الثلاثة وجميع العلماء والأئمة والقضاة والقادة والصلحاء ووجوه المدينة وما يمكن أن يكون ذخرا للدولة وعدتها والذين تجاوز عددهم الألف ومائتان على أقل التقديرات ليذهبوا بأقدامهم إلى هولاكو ليفنيهم جميعاً باستثناء ابن الخليفة الأصغر، كما يقضي الاتفاق. وذهبوا إلى أبعد من ذلك فبعد أن مزقوا العرب وأذهبوا وحدتهم ودمروا عاصمة دولتهم بغداد، وأبادوا العلماء والقادة والقضاة ووجوه الناس وأفرغوا البلاد من كفاءاتها، فقد سلب الطوسي كل الأجهزة العلمية والمعدات المبتكرة التي كانت محفوظة في خزانات الخلافة من ساعات وأجهزة تحديد القبلة والاتجاهات وغيرها الكثير الكثير مما كان من ثمار عصر النهضة الكبرى وبخاصة في العصر العباسي الأول، وقام بنقلها إلى بلاد فارس ليقيم فيها مرصد مراغة الفلكي هناك. وقد تأكد من غزو المغول لبغداد حقيقة الحلف الكبير بين الأطراف التي من فكرها استُخلص التشيع، فقد استُبيحت بغداد أربعين يوماً وقتل من أهلها زهاء المليون، لم يفرِّق بين عربي وعربي آخر لمذهبه أو عمله، لكنه أحسن معاملة النصارى والفرس ولم يعترضوا أحداً منهم. وإن كان هولاكو قد اعتنق البوذية لكن ابنه كيتوبوقا حينما احتل الشام عمد إلى تحويل مساجدها إلى كنائس للنصارى، ولهذا يُعِدُّ الفرس هولاكو ومن أعقبه من خانات المغول الإلخانيين طبقة من طبقات ملوك الفرس. أما أخوه الآخر ارغون فبعد تنصيبه على عرش الإلخانية اتخذ من الطبيب اليهودي سعد الدولة وزيرا، ذلك الصهيوني الذي استبد به الحقد فكشف عن مكنون نفسه فاستصدر من ارغون ابن هولاكو قرارا بمهاجمة الحرمين الشريفين وتحويل الكعبة إلى معبد للأصنام وقتل علماء المسلمين لكن الموت عاجلهما فلم ينفذ قرارهما. عند ذاك أصبح الولوج في تنفيذ فصول المخطط التالية أمراً ممكنا، وما يمنعهم من ذلك؟ فدولة العرب قد ذهبت بعد أن شُوِّهت في شخوصها، فكان الصفويون لها، فمن هم الصفويون وما هي المهمة الجديدة التي سينهضون بها؟ ينحدر الصفويون من ناحية أمهم إلى النصارى اليونانيين، وهي كاترينا إبنة أخ الحاكم اليوناني لطرابزون، تزوجها الأمير حسن بيك بن علي بن قرا عثمان البايندر مؤسس الآق قوينلو، وأم هذا الأمير إحدى الأميرات المسيحيات من عائلة الحاكم اليوناني ذاته، أما كاترينا فقد ولدت للأمير حسن ولداً وبنتين، إحداهما تدعى مارتا تزوجها الشيخ حيدر الصفوي، وهي أم إسماعيل شاه مؤسس الدولة الصفوية. واستكمالاً للمهمة التي تنتظر الدولة الصفوية وهي الصورة المتكاملة لدولة الفرس كما أرادها الطوسي وابن العلقمي لتنهض بها فقد ألصقوا أنفسهم بالإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهم كاذبون في ذلك، فحتى الفرس المتشيعين لم يتقبلوا هذا منهم ذلك " إن هذه النسبة كاذبة ولم ترد في المؤلفات التي أُلِّفت قبل عهد الشاه طهماسب الأول وفي أيام الشاه إسماعيل وأجداده"(63) ثم التف حولهم صنيعة أخرى من صنائع خليط الأفكار الأفعوية وهم المتصوفة، فالتصوف ذاك لم يكن ليختلف عن التشيع الفارسي كثيرا، هو أيضا خليط من الفكر اليهودي والصليبي والمجوسي والبوذي،وقد كانت بلاد فارس أخصب منابتها نتيجة تعلق الفرس بالأساطير والخرافات والشعوذة،فكانوا يضعون على رؤوسهم قلنسوة حمراء تيمنا بعادات الزرادشتية، فقد كان أتباع زرادشت يميزون أنفسهم عن سائر الناس بالملابس الحمراء، ولقد كان خروج إسماعيل الصفوي في تلك الفترة مطلبا هاما للنصارى بالدرجة الأولى للأسباب الآتية: كان السلطان العثماني محمد الثاني قد بدأ زحفه باتجاه أوربا فاحتل طرابزون وطرد منها أباطرة الروم الشرقيين، وقبلها في عام 857ه فتح القسطنطينية(استانبول) وعزم النية على اجتياح البلقان، ولما كان العثمانيون مجاورين للروم وليسوا أقوام طارئة تغزو ثم سرعان ما تعود إلى مواطنها أو قريبا منها كما فعل المغول من قبل، فإن احتلالهم لأي جزء من أوربا سيشكل تهديدا خطيرا للصليبيين. خلال تلك الفترة كانت إيران والمناطق المجاورة لها في حالة فوضى واضطراب، ولا يوجد نظام سياسي قوي يوحدها بعد ذهاب ملك تيمور لنك (الأعرج) مما سهل على رؤوس الأفعى إخراج النظام المرجو بالصيغة المثلى التي تلبي الأهداف بمراحلها النهائية. إعلان التشيع كان السبيل الأمثل لنجاح إسماعيل الصفوي في مهمته الكبيرة والخطيرة، فهو معتقد نضجت تفاصيله وأصبح جاهزا ليؤدي دوره كاملا في هذه المرحلة بعد أن أدى دوره في تدمير الدولة العربية الإسلامية بنجاح وتمزيق شمل وحدة العرب، خاصة وأنه استكمل فكره بالإضافات الكبيرة التي تمت عليه، فالشعوب الإيرانية العديدة لا يمكن توحيدها وجعلها قوة كبيرة تؤدي أغراضها المنشودة والتصدي للدولة العثمانية بما يمنع عليها التقدم في العمق الأوربي أو الاستقرار فيه، وما كانت هذه الشعوب المتنافرة المقتتلة فيما بينها لتتحد بدون نظام سياسي يوحدها فكان التشيع الصفوي بكل تفاصيله. ولهذا فقد سقطت جميع بلاد فارس في قبضة إسماعيل الصفوي خلال عامين من الزمن 907-909ه، وخلال عام 914ه أخضع العراق كاملا تح
| |
|