طريق البناء القومي الحضاري
من كتابات القائد الموئسس احمد ميشيل عفلق
عداد"الرفيق بشيرالغزاوي
هذه المناسبة التي جمعتنا هي لتوديع رفاقنا الذين عملوا في مكاتب القيادة القومية فترة من الزمن وانتقلوا الآن الى مواقع أخرى في خدمة الحزب، وكذلك هي للترحيب بالرفاق الجدد الذين عينوا لهذه المكاتب، وهي مناسبة طبيعية واعتيادية ان ينتقل الرفاق من مكان الى مكان آخر في خدمة الحزب وأن يأتي رفاق آخرون ويستلموا مسؤوليات جديدة، ولكننا نعيش في ظروف غير اعتيادية تضفي على اي عمل من الاعمال التي كانت تعتبر روتينية -ظروفنا الراهنة تضفي حتى على هذه الاعمال والمناسبات- طابعاً خاصاً هو مستمد من الحالة النادرة التي يعيشها الحزب مع الشعب والتي تكاد تلغي من حياتنا كلنا كل شيء اعتيادي، كل شيء روتيني وتعطي لكل ساعة بل لكل دقيقة من دقائق يومنا طعما خاصا، معنى خاصا، شعورا خاصاً يمكن وصفه بأوصاف شتى ولكن يصعب أن نصفه بكلمة واحدة، ولعل تعبير الظرف التاريخي، العمل التاريخي، يوجز بعض هذه الصفات، فنحن فعلاً نعيش ظرفا تاريخيا ونشارك في عمل تاريخي.
عندي قناعة عميقة بأنه من الأعمال التي سيذكرها التاريخ بعد ألف سنة، سيذكرها تاريخنا القومي، ستذكرها الأجيال العربية كما نذكر نحن الآن أحداثاً خالدةً في حياة أمتنا مرت قبل ألف عام وأكثر، فأيّ شرف يفوق هذا الشرف وأية سعادة تفوق هذه السعادة بأن نشعر جميعاً بأننا نعيش في هذه الفترة التاريخية ونساهم في صنعها كل حسب موقعه وظروفه و إمكاناته. هو شرف للبعثيين قاطبة أينما وجدوا، ان تكون هذه التجربة الثورية التي توّجتها هذه المعركة الظافرة ثمرة من ثمار نضال حزبهم، وهي بصورة خاصة شرف للبعثيين العراقيين لأنهم تميزوا واستطاع نضالهم الجدّي القومي الطويل أن يبني بناءً متيناً وأن تُغرَسَ أفكارهم ونضالهم في تربة خصبة طيبة، في تربة هذا الشعب العظيم، وهكذا وصلوا الى حالة تختلف نوعياً وجوهرياً عن كل ما عرف في وطننا العربي الكبير من حالات الثورة والعطاء الثوري، وصلوا الى حالة نادرة في عمق التجارب مع ضمير الشعب ومع تطلعات الشعب واستعداداته الكامنة وسجاياه الأصيلة واستعداده لنهوض تاريخي، لنهوض حضاري، وصلوا الى تحريك هذه الأوتار في قلب الشعب، في ضمير الشعب، في عقل الشعب، حتى أصبحت هذه النهضة أنموذجا وصورة مصَغرة لما تطمح إليه أمتنا في مستقبلها وبداية مشرقة ومشجعة وفياضة بالإلهام والإيمان بمستقبل هذه الأمة وبقدرات هذه الأمة وبأنها تجاوزت مرحلة الضعف والمرض والتخلف، تستطيع فيه ان تستشف حاجاتها الحقيقية الأصيلة وأن تتجاوب بعفوية وطلاقة وحماسة مع مبادئ الحزب الذي هو حزب المستقبل العربي، بالإضافة الى كونه حزب الأصالة العربية الضارب جذوره في أعماق تاريخ أمتنا والمستلهم لأخلاقها وفضائلها ورسالتها.
إذن هذه النتيجة التي وصلتم إليها أيها الرفاق ووصل البعثيون بهذا القطر اليها هي مكافأة كبيرة لكل ما عانيتموه منذ عشرات السنين من الآلام والمشاق، ولما عاناه رفاقكم في أجزاء الوطن العربي من الآلام والمشاق، ولما بذلتموه وما بذلوه من روحكم ومن روحهم بدافع المحبة لأمتكم والغيرة على مستقبل أجيالها وعلى مكانتها في العالم، هذه المكافأة التي تغمرنا جميعاً بشعور السعادة، وتمدنا بأمل جديد وبإيمان متجدد من أجل متابعة الأشواط الباقية من نضالنا الطويل الصعب، لأننا منذ لحظة تكوين هذا الحزب عرفنا جميعاً وتعاهدنا على أن نمضي الى آخر الطريق في نضال البعث حتى تتحرر كل أجزاء وطننا الكبير، وحتى تتوحد في الدولة العربية الواحدة، وحتى نقضي على كل غاصب ومستعمر ومستغل على أرضنا، وحتى نهيئ الشروط لنهضة حضارية فذة تليق بماضي أمتنا المجيد، هذا ما أشعر به في هذه المناسبة، وإن الرفاق الذين يذهبون الى أماكن أخرى والرفاق الذين يأتون الى مكاتب القيادة من جديد يشعرون بأنهم أعضاء في جسم واحد، لا فرق بين مكان ومكان، بين مرتبة ومرتبة، جسم واحد ودم واحد يسري في هذا الجسم وعقل واحد وشعور قوي واحد بعِظَم المسؤولية وشرفها وثقة لا حد لها، ولم تتوفر في وقت من الأوقات مثلما تتوافر الآن في ضمير كل بعثي، وثقة لا حد لها بأن العمل المخلص الصادق الواعي لن يضيع ولن يذهب سدى بل سيصب كله في مجرى واحد، في مجرى هذه النهضة التاريخية، وسيكون خطوة ومرحلة على طريق البناء القومي الشامخ الذي يعمل له حزب البعث العربي الإشتراكي الى مئات السنين، أتمنى لكم التوفيق في أعمالكم حيثما كنتم والسلام عليكم.
21 كانون الأول 1981
(1) كلمة في حفل توديع مدراء واعضاء القيادة القومية بتاريخ 21\12\1981